شاركت فى مؤتمر دولى ببروكسل حول إعلاء مبادئ القانون الدولى وسيادة القانون فى الدول التى تشهد تحولا، والذى نظمه مركز أمسترادم للقانون الدولى بكلية الحقوق بجامعة أمسترادم خلال الأسبوع الماضى، وقد قدمت مداخلة حول انتهاك سيادة القانون فى الدول الديكتاتورية «30 عاماً من الحكم المتسلط والقوانين الاستثنائية»، عرضت فيه رؤيتى حول مستقبل الدولة المصرية وسيادة القانون بعد الثورة، وخاصة فيما يتعلق بتعزيز دور الشرطة، وأن تقوم بدورها فى ضبط الأمن العام من خلال الاعتماد على منظومة القوانين العادية فقط دون الاعتماد على غيرها من القوانين الاستثنائية، وكذا استقلال السلطة القضائية من خلال إلغاء كل المحاكم الاستثنائية التى تسلب حق المواطن فى المثول أمام قاضيه الطبيعى، فضلا عن تعزيز دور مهنة المحاماة باعتبارهم شركاء للقاضى فى الوصول إلى العدالة المنشودة.
وقد أعجبنى كثيرا مقولة طرحت فى المؤتمر على لسان أحد أساتذة جامعة أمسترادم «ما بعد الدستورية» Post-constitutionism، مشيرا إلى أن النظم الديمقراطية الناشئة أو الدول الخارجة حديثا من النزاعات يجب أن تهتم بمفهوم ما بعد الدستورية بقوة، حيث إن المفهوم يتحدث بشكل جلى وواضح لمرحلة ما بعد صياغة دستور مكتوب بصياغات رائعة وواضحة وتضم قيما دستورية عليا بما يتفق مع القواعد التى تضمنتها الشرعية الدولية لحقوق الإنسان، ولكن على مستوى التطبيق العملى تظهر مشكلات عدة، أهمها عدم توافق المبادئ الدستورية مع ما يحدث على أرض الواقع، فعلى سبيل المثال يتضمن الدستور قاعدة أساسية، ألا وهى قاعدة المساواة بين كل المواطنين بصرف النظر عن الدين أو الجنس أو اللون أو العرق أو العقيدة، ولكن هناك بعض الدول تضم أقليات دينية، وهنا قد تظهر بعض الأفكار التى تسعى إلى منع الأقليات من ممارسة حقوقها على الرغم من وجود قاعدة المساواة فى الدستور، وبالتالى العبرة ليست بما يتضمنه الدستور من مبادئ وقيم عليا موجودة فيه، وإن كان هذا لا ينفى بطبيعة الحال مدى الأهمية الجسيمة لوجود دستور يتضمن كل المبادئ والقيم التى أقرتها النظم الدولية المختلفة، وكذا قواعد الشرعية الدولية لحقوق الإنسان، لكن من المهم فى ذات الوقت أن نعالج المشكلات التى قد تنجم عن تطبيق مبادئ الدستور على أرض الواقع، مثل مشكلة التمثيل السياسى للمرأة وتولى المرأة بعض الوظائف العليا فى الدولة، وكذا تمثيل الأقباط أو توليهم وظائف محددة مثل منصب رئيس الدولة.
وهذا يتطلب منا أنه يجب علينا فى المرحلة المقبلة العمل على صياغة دستور جديد للبلاد يتضمن كل الحقوق والحريات العامة للدولة وقواعد الحكم الديمقراطى السليم، وأن نعمد فى ذات الوقت بعد ذلك إلى معالجة بعض القضايا المهمة التى قد تنجم عن بعض الممارسات السلبية التى تتعارض مع الدستور مثل إدماج الأقليات المختلفة ضمن النظام السياسى للدولة كى تتمتع بذات الحقوق والواجبات الموجودة فى الدستور، وهنا فإن مرحلة ما بعد الدستورية هى مفهوم يجب أن نعمل عليه فى مصر بقوة فى المرحلة المقبلة، من خلال السعى فى المرحلة الأولى إلى سن دستور جديد للبلاد يلبى مطالب كل القوى السياسية والحزبية والمجتمعية، ويعمد إلى إرساء قواعد الحكم الديمقراطى وتداول السلطة ويحترم، حرية الرأى والتعبير وكل الحقوق والحريات العامة التى أقرتها المواثيق الدولية المعنية فى هذا الصدد، بما يؤسس لمرحلة جديدة فى تاريخ الدولة المصرية الحديثة تقوم على قواعد الديمقراطية وسيادة القانون، وفى ذات الوقت أن تلى مرحلة صياغة دستور جديد للبلاد مرحلة أخرى نسعى خلالها بكل قوة إلى خلق مجتمع يتمتع بقدر من التسامح تجاه آراء الآخرين، وأن نقدم حلولا للمشاكل العرقية والدينية التى قد تثور فى أى وقت جراء القيم التى تضمنها الدستور، بما يضمن فى نهاية المطاف تمتع جميع مواطنى الدولة على اختلافهم السياسى والدينى والعرقى والطائفى بكل حقوقهم المنصوص عليها فى الدستور.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
المصري
رئيس الدولة يجب ان يتولاة مسلم
رئيس الجمهورية وهو رئيس الدولة يجب ان يتولاة مسلم