تعيش وزارة التربية والتعليم حالة من التخبط، ويعيش أولياء الأمور حالة من القلق والخوف على مصير أبنائهم وفلذات أكبادهم، بينما يحاول المعلمون استغلال الموقف لتحقيق أكبر قدر من المكاسب، على غرار ما يفعله باقى الموظفين فى الدولة.
وبالرغم من حصول المعلمين على كادر خاص منذ عهد النظام البائد، أعاد لهم بصيص الأمل لتحسين أحوالهم المادية، وتخفيف الأعباء عنهم، حتى يتمكنوا من أداء رسالتهم على أكمل وجه، إلا أن الواقع يشير إلى أن المعلمين فى مصر يلعبون بكل الأوراق، لتحقيق أكبر قدر من المال، سواء أكانوا يستحقون ذلك أم لا، على حساب العملية التعليمية، فقد اعترض الكثير من المعلمين على امتحانات الكادر، وتكبروا على دخول الامتحان وظنوا أنهم وصلوا إلى أعلى الدرجات، ولا يجب أن يصبحوا طلابا من جديد يدرسون ويتعلمون ويمتحنون كما يفعلون بطلابهم.
لقد ظن المعلمون أن ما حصلوا عليه أثناء دراساتهم الجامعية كافٍ، كى يتمكنوا من تأهيل وتربية الأبناء، ويفتح لهم الباب للاستمرار فى هذه المهنة السامية، دون مزيد من البحث ومواصلة مسيرة التعلم.
يجب أن يعرف المعلمون أن التوقف عن التعليم، والشعور بأن ما حصلوا عليه كافٍ هو بداية الفشل، وأن التطوير المستمر والالتحاق الدائم بالدورات العلمية والتربوية، والاطلاع على تجارب الآخرين والاختبارات الدائمة لتقييم حالة المعلم، هو الطريق الأمثل للوصول إلى معلم متميز قادر على بناء جيل يقود مصر نحو المستقبل، وخروجها من براثن التخلف، والتحول من دولة الشهادات إلى دولة العلم الحقيقى.
إن تهاون النظام البائد مع المعلمين أثناء وضع الكادر، من خلال السماح للمعلمين بالاستمرار فى الدروس الخصوصية دون عقوبات زاد الطين بلة، فقد كرس لنظام الدروس الخصوصية، حتى إن الكثير من المعلمين إن لم يكن جمعيهم يستأجرون شققا، ويجعلون منها مدارسا مصغرة من المدارس الحكومية والخاصة، كما غرس المعلمون فى نفوس الآباء ثقافة جديدة تقوم على اعتبار الدرس الخصوصى جزءاً أساسيا من العملية التعليمية، سواء أكان الطالب يستحق هذه الدرس أم لا، بل أصبح المعلمون يمنون على أولياء الأمور لمجرد قبول أبنائهم فى حصة الدرس الخصوصى، فى محاولة منهم لترسيخ آليات الدرس الخصوصى فى المجتمع، بعدما نجحوا فى إقناع الشعب، أن المدرسة لا تؤدى رسالتها التعليمية والتربوية كاملة.
لقد تفاجأت بالمعلم الموقر يسأل ابنى عن المعلمين الذين أخذ لديهم درسا خصوصيا، خلال فصل الصيف، وبعد أن صدمنى السؤال قلت للمعلم المبجل كيف يأخذ درسا خصوصيا فى فصل الصيف وهو فى هذه السن الصغيرة "كيجى 2"؟.
وعندما أخبرته بأن الطفل يجب أن يستمتع بإجازته، وعندما يدخل المدرسة يركز فى دروسه، وإذا كان ضعيفًا يجب أن يأخذ درسا خصوصيا، حتى لا يكون أقل من زملائه، نهرنى المعلم! وقال واضح أنك تعيش فى زمن آخر، كل الطلاب يأخذون درسا خصوصيا فى كل المواد منذ بداية الصيف، بل يسعى المعلمون إلى الانتهاء من المنهج، حتى يدخل الطالب الفصل فى بداية العام للمراجعة فقط.
إذا كان الطالب يحصل على المنهج فى الدرس الخصوصى، ويدفع ولى الأمر دمَّ قلبه، فلماذا يذهب الطالب إلى المدرسة؟ وأين وزارة التربية مما يحدث؟، ومن سمح بترسيخ هذا الفكر لدى المعلمين وأولياء الأمور؟.
إن المعلمين لم يصبحوا أصحاب التبجيل الذى تحدث عنه أمير الشعراء أحمد شوقى فى قصيدته الشهيرة، فقد أفسد النظام البائد التعليم، وأجبر المعلم على أن يجعل من التدريس بئرا من المال يغرف من جيب أولياء الأمور ما يشاء، من خلال إقناع الآباء بأن الدرس الخصوصى جزء أساسى من العملية التعليمية.
إذا كان المعلم يبذل مجهود كبيراً فى الدرس الخصوصى، فليس ذلك من أجل إفهام الأبناء، بل نتيجية كثرة الأعداد فى الدرس الخصوصى، بعد أن أصبحت قاعات الدرس الخاصة، مثل قاعات المدرسة مكتظة بالطلبة، فماذا ننتظر من المعلم فى الفصل الدراسى؟. إن المعلم بعد هذا الجهد الكبير فى مدرسته الخاصة "الدرس الخصوصى"، لن يكون قادرا على أداء أى شىء فى الفصل المدرسى، بل سيؤثر على الطلبة بالسلب، ويقتل أفكارهم ويسلب إبداعاتهم ويقضى على فكرة العدالة بينهم، طالما لا يؤدى رسالته على أكمل وجه.
لا نطلب من المعلم أن يكون كما كان الإمام أحمد بن حنبل، عندما كرر شرح الدرس أربعين مرة، من أجل أن يفهم أحد تلاميذه، بل نطلب منه أن يؤدى مثلما يؤدى فى الدرس الخصوصى، وينقب عن المواهب ويكتشفها من أجل مصر، لا أن يقتلها لأنها لا تأخذ درسا خصوصيا.
إن الواقع يؤكد أن الإنسان لا يستطيع أن يؤدى على مدار الساعة بنفس الكفاءة، خاصة فى مهنة مثل التعليم تحتاج إلى جهد كبير ومهارات خاصة، لذا يجب أن يتقى المعلمون الله فى أبنائنا.
نحن مع مطالب المعلمين لتحسين أحوالهم، وضرورة مشاركتهم فى تطوير العملية التعليمية، وإزالة الأعباء الإدارية عنهم، ولكن لسنا معهم فى تحويل منازلهم إلى أماكن للدروس الخصوصية، لاستنزاف أولياء الأمور، وقتل مواهب الطلبة، وغياب العدالة بينهم، حتى لا يتحول الاستحقاق الذى يطالب به المعلمون إلى استغلال للمجتمع ككل.
نحن نتطلع أن يكون المعلم القدوة والمثل فى أدائه ومطالباته، لتحسين أحواله، وأن يدرك أن التعليم رساله وأن سمو مهنته تتطلب أن يكون قدوة، لا أن يستغل الأوضاع الحالية للدولة، مثلما استغل أولياء الأمور.
إن إصلاح مصر لن يأتى إلا بإصلاح التعليم ولايمكن إصلاح التعليم بدون تطوير المعلم وإصلاحه واستشعاره لقيمة مهنته، وأنها ليست سبوبة لجمع أكبر قدر من المال أو مجرد وظيفة والسلام.
نحن مع مطالب المعلمين ونتمنى تحسين أحوالهم ورفع مكانتهم، ولكن لسنا معهم فى تحويل مستحقاتهم إلى استغلال تدفع مصر كلها ثمنه فى الحاضر والمستقبل، كما دفعته فى الماضى.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
سامر سعيد
تسلم ايدك
سلمت وسلمت يداك انت محق في كل ماذكرت لك التحية
عدد الردود 0
بواسطة:
مدرس
لا ناصح
عدد الردود 0
بواسطة:
واجد
كلام جميل
عدد الردود 0
بواسطة:
ali
عندي سؤال
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد احمد
خالف تعرف
انت اكيد العباسى ابن فرناسى
عدد الردود 0
بواسطة:
ياسر مصطفى
بارك الله فيك
عدد الردود 0
بواسطة:
علي
تعميم باطل
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد عبد العزيز
وجهة نظر
عدد الردود 0
بواسطة:
علاء القناوى
الى كل معلم مصرى مخلص
لا تحزن ان الله معنا
عدد الردود 0
بواسطة:
ماهر مصطفى
الى المضحوك عليه ( شكله فلول )