سألت بشغف وفضول جامح نفس السؤال الذى يشغل الناس الآن فى مصر: ماذا قال المشير محمد حسين طنطاوى فى شهادته فى قضية قتل المتظاهرين أثناء الثورة؟ وكيف كان مشهد المواجهة الأولى مع الرئيس المخلوع منذ لحظة التنحى فى 11 فبراير الماضى؟
قرار حظر النشر وبث شهادة المشير تليفزيونيا -رغم ضرورات الأمن القومى- حرمت ملايين المصريين من مشهد تاريخى ربما لن يحدث كثيرا، أو لن يتكرر بالمرة فى تاريخ مصر السياسى والعسكرى، فهى الشهادة الأشهر والمواجهه الأكثر إثارة بين رئيس يقدم للمحاكمة لأول مرة بتهمة إصدار أوامر بقتل المتظاهرين، وبين القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس المجلس العسكرى الذى يدير شؤون البلاد.
تاريخية الشهادة والمواجهة تأتى لكونها بين رجلين ينتميان للمؤسسة العسكرية المصرية وأمام محكمة مدنية فى سابقة لم تحدث من قبل، فمثول كبار القادة العسكريين لا يتم إلا أمام قضاء عسكرى، لكن خصوصية القضية وأهميتها الكبرى كسرت كل التقاليد والقواعد، وتوجهت أعلى قيادة عسكرية فى مصر إلى محكمة مدنية للإدلاء بالشهادة.
الأمر الثانى أن الشهادة تأتى من قائد عسكرى فى مواجهة رئيس عمل تحت قيادته وتولى فى عهده العديد من المناصب منذ أن كان قائدا للجيش الثانى الميدانى فى عام 1987، ثم قائدا لقوات الحرس الجمهورى عام 1988، ثم قائدا عاما للقوات المسلحة ووزيرا للدفاع فى 1991، وحتى تنحى أو خلع الرئيس السابق. ربما تكون لحظة نفسية صعبة، لكن القائد العسكرى يجد نفسه أمام شهادة بعد قسم يعلم أنه عظيم، يقولها للتاريخ وللشعب، يدلى فيها ببعض الأسرار فى مجريات أخطر 14 يوما فى تاريخ مصر من 28 يناير إلى 11 فبراير.
الأمر الثالث أن الشهادة ومثول المشير طنطاوى أمام قضاء مدنى فى مواجهة قائده العسكرى الأعلى المخلوع، هى شهادة سياسية فى المقام الأول على عصر كامل يستحق، وبامتياز، أن يكون هو «عصر الفساد العظيم» فى تاريخ مصر، وتأتى فى لحظة قلقة تتلمس فيها البلاد أولى خطواتها المرتبكة نحو إرساء مبادئ الديمقراطية الحقيقية وسيادة القانون.
الشهادة كانت تستحق العلانية مع تقديرنا لضرورات الأمن القومى وحساسية وخطورة المعلومات، لكن ما نتمناه أن يتم توثيقها بدقة والحفاظ عليها لأنها تسجل مشهدا تاريخيا بكل المقاييس قد لا يتكرر بعد ذلك.