ماذا نريد نحن من هؤلاء الـ 18 فرداً الممثلين للمجلس العسكرى الذين يحكموننا الآن؟
بداية، لابد أن يكون هناك اتفاق على من الذى أعطى للمجلس العسكرى الحق فى إدارة شؤون البلاد، ومن الذى سمح لهم بتولى مقاليد الحكم والاستمرار فى ذلك، هل هو الرئيس السابق عندما قرر أن يتنحى، وقال إنه أوكل إدارة شؤون البلاد إلى المجلس العسكرى؟ أم هم الثوار والشعب من ورائهم عندما اطمأنوا لوجود هؤلاء فى الحكم بعد تنحية الرئيس السابق؟
الحقيقة أن الشعب والثوار هم من سمحوا للمجلس العسكرى أن يتقلد زمام الأمور فى البلاد بعد تنحية الرئيس السابق، وذلك يرجع إلى علاقة تاريخية ربطت بين الجيش المصرى، وأفراد الشعب، فهم بالنسبة لنا دائماً محل فخر وإعزاز وثقة متبادلة.
وأيضاً الواقع أدى إلى ذلك، فقد كنا فى حاجة بعد انهيار جهاز الشرطة إلى قوة تحكم على الأرض، أو بمعنى آخر إلى إدارة تستطيع أن تنفذ أوامرها فى الشارع، وفقاً لما لديها من قوة تنظيم ميدانى، وهو سبب أيضاً يجعلنا نؤيد اختيار المجلس العسكرى عن اختيار المجلس الأعلى للقضاء الذى كان من الممكن أن يتولى أيضا هذه المسؤولية المؤقتة.
ولكن ما نطلبه من المجلس العسكرى بوضوح هو تحديد طبيعة هذا التكليف، وأول ما نريده أن يعرف المجلس العسكرى أن شرعيته مؤقتة، فالشرعية الدائمة تأتى من انتخابات حرة نزيهة تعبر عن إرادة الشعب.
كذلك لا بد أن يكون واضحا أن إدارة البلاد، وتسيير أمورها لفترة انتقاليه لا يعنى إطلاقاً التشريع من أجل أجيال قادمة، وهذا هو أول الأخطاء التى وقع فيها المجلس العسكرى، آسف ثانى الأخطاء بعد الإبقاء على زكريا عزمى فى الديوان لفترة بعد تنحى مبارك، إذ يبقى السؤال: ما شرعية التشريعات التى أقرها المجلس العسكرى منفرداً وأمليت على الشعب؟
من وجهة نظرى أن هذه التشريعات أيضاً، شرعيتها مؤقتة، ولابد أن تراجع جميعها من قبل المجلس النيابى الذى سيختاره الشعب، فأنا أتوقع أن كل قوانين الانتخاب التى أقرها المجلس العسكرى، سيتم العدول عنها من قبل البرلمان القادم، بل لا أعتقد أيضاً أن أى رئيس محتمل من الأسماء المطروحة سيبقى على هذه التشريعات.
وفى الوقت نفسه، ومن الطبيعى جداً، أن نجد للمجلس العسكرى أخطاء إدارة واضحة، فهؤلاء الأشخاص تعودوا على الانضباط التام، ولا يعرفون معنى المجادلة، أو مناقشة الأوامر، فمثلاً نجدهم يعلنون عن استطلاع للرأى على المرشحين المحتملين للرئاسة، ويدخلون بأنفسهم وبمبادرة فردية منهم فى دائرة التشكيك فى آلية الاستطلاع، وتوقيته، وشرعيته، والأسماء المطروحة، ولا أدرى من هو العبقرى الذى اخترع هذه الفكرة على المجلس العسكرى.
كذلك يقومون بإصدار بيانات يخصون بها قوى سياسية بعينها، ويقولون عنهم إنهم يعملون ضد مصلحة البلاد، وهذا أيضا لا يليق بحياد المجلس العسكرى – المفترض - عن الشارع السياسى، وإلقاء التهم بهذا الشكل الرسمى لا يكون إلا أمام النيابة العامة وبأدلة واضحة.
كما أن التصريحات الإعلامية – الزائدة – تؤدى إلى أخطاء غير مقصودة، فكل لواءات القوات المسلحة الذين يخرجون على وسائل الإعلام هذه الأيام لهم أخطاء فى اعتمادهم على اجتهادهم الشخصى فى الرد على الأسئلة التى تطرح عليهم.
أنا مؤمن تماماً أن يوم 28 يناير أحدث نظرية خطيرة جداً، هى «نظرية الحشد الميدانى» بطولة وإخراج وإنتاج الإخوان المسلمين، لحاقا بالقوى السياسية المختلفة صاحبة الدعوى الأصلية لفكرة 25 يناير.
نعم لولا هذه النظرية ما نجحت الثورة، ولكن بعد الثورة ظلت هذه النظرية قائمة، فلا أحد استطاع أن يجيب عن سؤال: ماذا تفعل لو تجمع مليون شخص لتنفيذ شىء ما يعتقدون أنه صواب، ويعتقد المسؤولون بالدولة أنه خطأ؟ ، مثل غلق مجمع التحرير لأيام مثلاً، ومن هو الشخص أو الجهة التى تستطيع أن تستخدم القوة مع مليون شخص؟ وأين هى الإرادة، ولدى من، والتى يمكن أن توجه أسلحة تجاه متظاهرين سلميين خاصة بعدما جرم المجتمع بأكمله الاعتداءات التى خلفت ضحايا لثورة 25 يناير؟
الحقيقة أن الرد الوحيد والعملى لعدم الاصطدام مع الشارع، هو القراءة الجيدة لمطالب الناس، ووقف سياسة الإملاء والقوانين الفجائية، وإيجاد شفافية مطلقة بين الحاكم والمحكوم، وتفهّم أن هذا الشعب ظل مخدوعاً ثلاثة عقود، بل ساهمت بعض وسائل الإعلام فى جعله متعاطفاً مع نظام فاسد، وعلى الجانب الآخر أيضاً احترام القانون، وعدم المساس بمؤسسات الدولة الحيوية، لكن هناك قضايا شائكة تضع قادة المجلس العسكرى فى حرج بالغ بين الشارع، ومعطيات قد لا يراها الشعب، ومن هذه القضايا
ماذا سيفعل المجلس العسكرى مع مبارك؟
هذا ما سنكتب عنه الأسبوع المقبل إذا كان فى العمر بقية.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة