يقول الرائع محمود عبدالعزيز فى رحلة سعيه نحو احتراف الغناء والطرب ضمن أحداث فيلم «الكيف»: (يا حلو بانت لبتك.. أول ما دابت قشرتك.. تحرم عليا محبتك.. وراح أتوب عن سكتك.. القلب منك مليان جفا.. والصبر من قلبى اتنفى.. وضاع معاك كل الصفا.. ضيعته بعندك يا ...).
قال محمود عبد العزيز السابق من الكلام، والآن يعيد البعض من الناس الذين أصابتهم الحيرة من محاكمة مبارك وشهادات كبار القوم تكراره مع استبدال كلمة «العند» التى هى فوق الخط بلفظة أخرى مثل «شهادتك» أو «كلمتك التاريخية».
إن لم يكن قد وصلك المعنى من السطور السابقة، فلا تشغل بالك، وركز كثيرا مع وضع الجفاء الذى استقرت عليه علاقة الشارع المصرى بالمجلس العسكرى ليس بصفته الحربية، ولكن بصفته الجهة التنفيذية التى تتولى إدارة شؤون البلاد، وركز أكثر مع شهادة المشير التى دفعت أبناء مبارك للرقص فرحا بصحبة الزغاريد أمام مقر المحاكمة، ودفعت محامى أسر الشهداء لرد هيئة المحكمة، وأشارت كل الملامح التى حضرت لحظة نطق المشير بشهادته إلى أن الشهادة التى كانت من المفترض أن تكون تاريخية جاءت رمادية، والتركيز هنا ليس مع تفاصيل الفرح والحزن، بل مع ما تكشفه تلك المشاعر من طبيعة الشهادة، وما تكشفه طبيعة تلك الشهادة من خسارة واضحة للمجلس العسكرى لشرعيته التى بنى عليها قيادته للمرحلة الانتقالية، وبنى عليها اطمئنان أهل الثورة له، وشرعية المجلس التى نتكلم عنها تتلخص فى رفض المجلس أوامر إطلاق النار على المتظاهرين وانحيازهم لجموع الشعب.
تلك هى شرعية المجلس ولا شىء غيرها، فلا الجيش هو الذى تحرك وأشعل فتيل تلك الثورة، ولا المجلس هو الذى قدم الشهداء يوم موقعة الجمل، أو تصدى لقنابل الأمن المركزى ورصاصه يوم 28 يناير، وبالتالى فإن أى شهادة للمشير طنطاوى أو الفريق عنان بخلاف ذلك، تعنى سقوط الشرعية التى اختارها المجلس لنفسه كمدخل وسبب لقيادة البلاد خلال الفترة الانتقالية، وإذا كان السادة فى المجلس يعتمدون على أن حظر النشر سيقيهم شر اكتشاف أمرهم، فالتاريخ علمنا أنه إن عاجلا أو أجلا يظهر ما كان مخفيا من الأمور، والظهور العاجل فى تلك الحالة يعنى سقوط شرعية المجلس وإعادة صياغة المرحلة الانتقالية من جديد، أما الظهور الآجل فيعنى وللأسف اتساع فجوة الجفاء بينه وبين الشعب، وربما لا نسمع فى أى وقت لاحق ذلك الشعار الشهير «الجيش والشعب إيد واحدة»، لأن الشعب عادة لا يضع يده فى يد من يخدعه.
أزمة المجلس لا تقف عند حدوتة إطلاق النار، بل تمتد إلى ما يبدو وكأنه محاولة للالتفاف على تلك الثورة وسرقتها، أو مايبدو مع قليل من حسن النية وكأنه فشل ذريع فى إدارة شؤون البلاد، سواء من حيث الطريقة التى يواجه بها المجلس الإضرابات والمظاهرات، أو عدم قدرته على ضبط الإيقاع الأمنى، أو إصراره على تجاهل القوى السياسية والاستئثار بصياغة قوانين الانتخابات، أو فرض قانون الطوارئ، أو غيرها من الخطوات والقرارات والتعثرات التى تثبت أن السادة فى المجلس لم يصلهم بعد نبأ قيام ثورة فى مصر، ولم يخبرهم أحد أن الشعب الذى ملأ ميدان التحرير وشوارع السويس والمحافظات ولم يخش رصاص الأمن المركزى لن يتأخر عن تكرار الأمر إن شعر بأن أحدا ما يسرق جهده ودماء شهدائه.. أو بالبلدى كده «بيستكرده»!