يفكر الحكام الجدد فى سن قانون يمنع شراء الأصوات، وقانون لمعاقبة من يتجاوز المسموح به فى الإنفاق على الدعاية الانتخابية، وكثيرًا ما يفكر الحكام الجدد ويعدون، لكنهم لاينفذون ما وعدوا به، خذ مثلاً الإعلان عن تطهير أجهزة الدولة والإعلام، وتعديل قانون الغدر وتفعيله، وتعديل قانون الأحزاب، وتعديل قانون الانتخابات، لا شىء تحقق.. باختصار استجابتهم ضعيفة، وتحركهم بطىء والوقت يمر.. ويبدو أنهم لايتحركون إلا تحت ضغط المليونيات.
فى موضوع الانتخابات لا مواعيد قاطعة، ولا استجابة لتعديل القانون، والمشكلة أن كل تفكير الحكام الجدد والنخبة السياسية محصور فى أوضاع المرشحين والمال الانتخابى، والسيطرة على الانفلات الأمنى، وهى أمور مهمة، لكن هناك قضية أكثر أهمية تتعلق بالناخبين أنفسهم، أقصد كيفية إشراك الأغلبية الصامتة فى الانتخابات والحياة الحزبية.
أقترح لضمان مشاركة أغلبية المواطنين سن قانون يلزم كل ناخب بالتصويت فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية والمحلية، ويعتمد هذا الإلزام على آلية واضحة من الحوافز والغرامات، فمن يشارك فى التصويت يحصل أولاده فى المدارس الحكومية على خصم ربع المصروفات المدرسية، أو زيادة فى كمية السلع التى تصرف له من خلال البطاقة التموينية، أو يحصل هو وزوجته على الحافزين معًا. أما من لا يشارك فلا يحصل على أى من الحوافز، بل يسدد أسعار بعض السلع التى تصرف له من خلال البطاقة التموينية بالأسعار الحقيقية، بما يساوى 100 جنيه. ويمكن أيضًا التفكير فى فرض غرامات مالية بقيمة 300 جنيه على كل من لا يشارك من الشرائح الميسورة والتى لا تمتلك بطاقة تموينية، ويمكن أن تضاف الغرامة على ضرائب الدخل أو تحصل منهم عند سفرهم للخارج.
آليات التنفيذ وعدالته كثيرة، وما قدمته هنا هو أمثلة ونماذج، لكن المهم إقرار المبدأ وإصدار القانون، فالتصويت الإلزامى معمول به ومطبق فى 32 دولة، منها دول أوروبية عريقة فى ديمقراطيتها، كبلجيكا واليونان، ودول أخرى تحولت من الاستبداد إلى الديمقراطية مثل الكونغو والبرازيل وبيرو والأرجنتين، وبعض هذه الدول تفرض عقوبات مالية أو تقدم حوافز مختلفة كتقديم أموال أو خدمات مجانية أو خصم فى الضرائب. تركيا مثلاً كانت تفرض غرامة قدرها 8 دولارات على كل من لا يقوم بالتصويت فى الانتخابات، وفى اليونان والبرازيل يسحب جواز السفر من المتخلفين عن التصويت لمدد قد تصل إلى عدة أعوام. وفى مصر كانت تفرض غرامة مالية بسيطة للغاية لكنها لم تطبق بجدية، كما لم يهتم الإعلام بالإشارة إليها، لأن نظام مبارك كان لا يريد للكتلة الصامتة أو غير الصامته أن تشارك، حتى يتم التزوير والتلاعب فى نتائج الانتخابات بأقل جهد ممكن.
ليس عيبًا أن نتعلم من تجارب التحول الديمقراطى فى العالم، وأن ننقل عنها ما يساعدنا فى تفعيل الكتلة الصامتة والتى غيبت بشكل مقصود، وممنهج عن فضاء السياسة والانتخابات، ولا شك أن ضمان مشاركة هذه الكتلة فى وقت سريع يتطلب الأخذ بمبدأ الإلزام فى التصويت، مع العلم بأن تجارب العالم فى هذا الشأن تثير جدلاً واسعًا بين مؤيدى هذا النظام ومعارضيه، فالمعارضون يرون التصويت ليس واجبًا مدنيّا، بل هو حق مدنى كالزواج والتعبير عن الرأى، وهى حقوق قد لا يريد بعض الأفراد - وهذا حقهم - أن يمارسوها، كما أن التصويت الإجبارى قد يدفع كثيرًا من المواطنين غير المهتمين بالسياسة، أو الذين لا يعرفون شيئًا عن المرشحين، إلى التصويت بشكل عشوائى حتى لا تفرض عليهم الغرامة المالية أو ليحصلوا على المزايا التشجيعية.
والتخوف الأخير صحيح تمامًا، لكنه مردود عليه بأن غير المهتمين بالسياسة قد يهتمون فى الانتخابات القادمة، ويتابعون الحياة السياسية، وقد يشاركون فيها.
وبشكل عام أعتقد أن إيجابيات التصويت الإلزامى تفوق كل التخوفات والسلبيات، إن الديمقراطية عملية تتضمن قدرًا من التربية والتعلم والممارسة، وهى أمور ستكتسبها الأغلبية الصامتة مع تكرار عمليات التصويت الديمقراطى النزيه، وبالتالى سترتفع معدلات المشاركة، مما يدعم من شرعية النظام السياسى والبرلمان المنتخب. فمشاركة معظم المقيدين فى جداول الانتخاب فى الدوائر الانتخابية سيضمن مشاركة الفئات المحرومة اجتماعيّا والمهمشة، وسيمنع أى أقلية منظمة أو مرتفعة الصوت من الفوز، كما سيقلص من دور المال الانتخابى وأعمال البلطجة. من جانب آخر فإن زيادة أعداد الناخبين ستحسم نتائج الانتخابات من الجولة الأولى، ولن نحتاج إلى جولات إعادة، ما يخفض من تكلفة الانتخابات على الدولة وعلى المرشحين.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
كريم المصري
من حقوقي الامتناع عن التصويت
عدد الردود 0
بواسطة:
يوسف
حافز مادي
عدد الردود 0
بواسطة:
mahmoued said
اقتراح مفيد وياريت ناخذ به ونطبقه
عدد الردود 0
بواسطة:
gehanhany
رشوة بس مقنعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مريم
كثيرًا ما يفكر الحكام الجدد ويعدون، لكنهم لاينفذون ما وعدوا به