يبدو أننا نعيش حالة من الحنين إلى الناصرية، تتضح يوماً بعد يوم فى العديد من الخطوات والتصرفات، سواء الحكومية أو غير الحكومية، ويعلم الدارسون أن للناصرية وجهين.. وجه مشرق إيجابى، وآخر سلبى وليس مشرقاً، الإيجابى يتمثل فى سعى التجربة الناصرية والرئيس عبدالناصر الحثيث لتحقيق العدالة الاجتماعية وبناء نهضة تعليمية وصناعية، فضلاً عن اعتبار الاستقلال الوطنى قيمة عليا، والوجه السلبى كان فى التنظيم الواحد «الاتحاد الاشتراكى» وسيطرة الأجهزة والنزعات الأمنية على الحكم وإهمال الحريات السياسية واعتبارها رفاهية، ومقايضة المجتمع عليها بالعدالة الاجتماعية أو ما كان يطلق عليه فى أدبيات تلك المرحلة مجتمع الكفاية والعدالة.
والآن نرى الذين انتقدوا التجربة الناصرية، أو بعضهم، من الذين أخذوا عليها غياب الديمقراطية السياسية وغيرها، يستدعون ذلك الجانب من تلك التجربة بعد ثورة 25 يناير 2011، تأمل ما تقوم به الحكومة من إعادة إحياء قانون الغدر ومن ثم محكمة الغدر، وتلك كانت نقطة تندر على ثورة 1952، والتجربة الناصرية، هذه محكمة كان قضاتها حسين الشافعى، وأنور السادات وقضت على إبراهيم عبدالهادى بالإعدام من الجلسة الأولى، وتعلن حكومة د.عصام شرف أن قانون الغدر بشكله الجديد سوف ينفذ أمام محكمة كل أعضائها من السلك القضائى، لكن يبقى السؤال.. ولماذا قانون الغدر وما احتياجنا له الآن؟ لقد تم توجيه الاتهام إلى الرئيس السابق حسنى مبارك وتم التحقيق معه وأميل إلى المحاكمة بالقانون العادى وليس بقانون الغدر ولا بقانون استئناف، ويحاكم أمام محكمة عادية، وليست محكمة الغدر، وهو مواجهة بثلاثة اتهامات، بينها اتهام لو أدين به فسوف تكون عقوبته على الأغلب الإعدام، وهو الاتهام بقتل المتظاهرين، حدث ذلك كله مع رأس النظام السابق بالقانون الطبيعى والعادى فهل سيعجز ذلك القانون أمام من هم أدنى منه بمراحل فى النظام السابق؟.
لا يقف الأمر عند حدود قانون الغدر، فأمامنا التحالفات الحزبية، وهى تحالفات تحمل ملامح العقلية والتجربة الناصرية، حزب الوفد يتحالف مع الإخوان.. الأحزاب المدنية والليبرالية تريد أن نتحالف جميعاً، فى مواجهة الأحزاب الإسلامية، وهذا يعنى أن «التعددية» ليست قيمة أساسية لدى معظمنا وأن النزعة الشمولية هى الأقرب إلى التفكير وإلى الممارسة، وتلك واحدة من تجليات التجربة الناصرية، فإذا كنا نؤمن بالديمقراطية قولا وفعلا، والتعديدية قيمة عليا لدينا، لدخلنا جميعا الانتخابات ونتقبل نتائجها، وقد تحدث أخطاء فى التجربة وربما جاءت النتائج على غير ما نحب وما نرضى، لكن الحرية والديمقراطية تصحح نفسها بنفسها، فإذا جاءت النتائج لصالح الليبراليين وثبت فى الممارسة العملية أنهم لم يكونوا وفق توقعات الناخبين، فلن يفوزوا فى المرة القادمة، وكذلك الأمر بالنسبة للإسلاميين، كانت التحالفات مفهومة فى ظل النظام السابق حينما كان هناك حزب واحد يصر على احتكار الانتخابات والعملية السياسية وحده، لكن لماذا التحالفات الآن؟ إنه الخوف من التعددية وعدم القدرة على احتمال نتائج الحرية والقبول بها، والخوف مشروع ومقبول، لكن تجنب الخوف والتغلب عليه لا يكون بالشمولية، تحت مسمى التحالفات.
أعرف أن بعض أصدقائنا الناصريين سعداء بهذا الحنين العام إلى الناصرية ويعدونه دليل براءة للناصرية من الانتقادات القاسية التى وجهت إليها طوال العقود الأربعة الماضية، ودليل مصداقية لكل ما وقع فى المرحلة الناصرية، حتى وجدنا من راح يشيد بما لا يجوز الإشادة به وهو إعدام خميس والبقرى، بسبب مظاهرة فئوية جرت فى أغسطس 1952، رغم أن الرئيس عبدالناصر تاريخياً لم يكن راغباً فى الإعدم وتحمس غيره له، وقرار الإعدام وقعه اللواء محمد نجيب، وليس عبدالناصر، لكن روح الزهو سيطرت على بعضنا.
ثورات مصر ليست فى موضع مفاضلة ولا مبارزة، وليست القضية أن يسجل كل طرف نقاطا سلبية فى حق الطرف الآخر، نحن نسعى لبناء مجتمع ونظام سياسى أساسه الحرية للجميع والعدالة بين الجميع والكرامة أيضاً للجميع، ومع كامل التقدير لتجربة الناصرية باعتبارها، فى نهاية الأمر تجربة مصرية، خاضتها مصر كلها، فيجب ألا نكرر السلبيات التى كانت، لأن هذه السلبيات أملتها ظروف خاصة بتلك المرحلة، ونحن الآن نخوض تجربة ومرحلة جديدة، وعلينا أن نقتنع بأنه لن يكون ممكناً لأى طراف إزاحة طرف آخر، وشئنا أم أبينا التعددية والتنوع سمة المجتمعات الحية، فلنجعلها قيمة أساسية بدلاً من أن ننكرها، وأن نسعى للتحايل عليها، إن خطيئة مبارك وحزبه أنهم تصوروا وخططوا لإزاحة الآخرين وإلغاء وجودهم، فكانت الإزاحة من نصيبهم هم والإلغاء وقع عليهم هم.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمود
عبد الناصر عمل لصالح الغالبية العظمى من الشعب
عدد الردود 0
بواسطة:
مواطن مصري
رحم الله جمال عبد الناصر
عدد الردود 0
بواسطة:
ابراهيم محمود
تعليق
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
اي كلام وخلاص
عدد الردود 0
بواسطة:
gehanhany
على من قانون الغدر
عدد الردود 0
بواسطة:
المصري
ثورة يوليو فاشلة
عدد الردود 0
بواسطة:
ابو العربى
سيدى اختلف معك
عدد الردود 0
بواسطة:
السنوسي
نكتة !!
عدد الردود 0
بواسطة:
عصام الجزيرة
وهل عبد الناصر هو من اضاع القدس والجولان والضفة الغربية وتهر الاردن ؟؟...
عدد الردود 0
بواسطة:
A_Salem_2200
الى رقم 9 عصام الجزيرة