نحن فى زمن ارتدى فيه كثير من أولئك الذين كانوا غارقين فى مستنقع الرذيلة مع رموز النظام البائد برقع الفضيلة والعفة والشرف والطهارة.. زمن صارت الساحة السياسية فيه تموج بكثير من المماحكات الفارغة لهؤلاء المطبلين والمهللين والأفاقين واللاعبين على الحبال وحملة المباخر وتصيب المتلقى بالتقزز والغثيان.
والحقيقة دائماً لها وجه واحد.. أما عندما تتضخم الذات وتتورم الأنا عند البعض، فإنها تصبح ذات وجهين.. تتلون وتتبدل وتنقلب رأسا على عقب.
وعندما تسمع هؤلاء المتلونين وهم يختارون بذكاء مشهدا واحدا فى مسلسل طويل من الارتماء فى أحضان نظام مبارك البائد ليتحدثوا عنه تشعر وكأنهم ضحاياه، بينما الجميع يعرف أنهم كانوا جزءاً منه وركنا من أركانه وشاركوا فى صنعه وتمرمغوا فى أوحاله، وعاشوا فى ريعانه وانتفعوا منه، وتربحوا من بنيانه الفاسد، وصنعوا شهرتهم فى عباءته وتستروا خلف جلبابه.
هؤلاء يملأون شاشات الفضائيات هذه الأيام ليقدموا أنفسهم باعتبار أنهم كانوا من المغضوب عليهم من المخلوع والوريث وشلة اللصوص وعصابة السلطة.. معتقدين أن هذا الأسلوب فى انتقاء جانب من المشهد سوف ينجح فى تجميل صورتهم عند الناس، أو إهالة التراب من على وجوههم، هم لا يسعون لتجميل صورتهم بقدر ما يعتقدون أنهم بأسلوب الخديعة، يمكن أن ينجحوا فى الحصول على جزء من كعكة الثورة، أو منصب سياسى أو مقعد فى البرلمان.
سياسيون وقانونيون وبرلمانيون وإعلاميون ورياضيون صفقوا للفرعون ونافقوه وتطوعوا لترشيح الوريث ليكون رئيسا لمصر، وعددوا فى مناقبه غير الموجودة، ودافعوا عن سياسات فاسدة وبرروا قرارات ظالمة عبر سنوات طويلة، ثم تراهم يتحدثون اليوم بتفاخر ودون خجل عن موقف عابر أو جملة صدق اعتراضية أو عبارة استيقظ فيها ضميرهم أو مقال معارض وحيد يتيم كتبوه فى أوقات غضب النظام البائد عليهم أو عدم رضاءه عن مستوى ولائهم، أو كانوا خارج حساباته.
هؤلاء يتحدثون عن هذه اللحظات الخاطفة أو العبارات العابرة ويضعونها فى برواز باعتبار أن ذلك كان موقفهم الدائم والثابت طوال الوقت، أو أنهم كانوا من المعارضين الأطهار وليسوا من الموالين الأشرار طوال السنين الماضية.
يخطىء هؤلاء لو اعتقدوا أن هذا النوع من لى ذراع الحقيقة أو الالتفاف عليها أو اختيار زاوية واحدة لتسليط الضوء عليها دون باقى الزوايا أو المشهد كاملا سوف ينطلى على الناس.. أو أن الزهايمر قد أصاب المصريين بحيث صاروا بعد 25 يناير ينسون ولا يميزون بين الذين باعوا أنفسهم لنظام فاسد ظالم مقابل حفنة امتيازات، والذين اختاروا السجون والمعتقلات والتعذيب ثمناً لعدم بيع شرفهم فى سوق النخاسة لسلطة عاثت فى الأرض فسادا وإفسادا.
لم نسمع أن أحداً من هؤلاء الذين يصدعون رؤوسنا عن أنهم كانوا من المناضلين الأحرار، قدم استقالته من موقعه، أو رفض قبول المنصب أو التعيين الذى من عليه به أزلام النظام البائد، احتجاجا على رفضه لسياسات الفرعون ونظامه.
مثلا.. مما يثير الدهشة أن بعض الذين رفض الحزب الوطنى المنحل ترشيحهم على قوائمه فى فضيحة الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وكانوا مستعدين لدفع كل ثرواتهم وأملاكهم من أجل دخول الجنة الموعودة فى رحاب "الرضا المباركى"، هؤلاء لا يتورعون الآن عن المجاهرة بتنصلهم بل وبعدائهم للحزب الذى كان الانضمام إليه بمثابة حلم يراودهم فى منامهم، ودعاء يبتهلون إلى الله به فى صلواتهم، وهو المرادف للسلطة والسلطان والفرعنة والجبروت والفساد، هؤلاء يريدون اللعب على كل الحبال ويراهنون على ذاكرة الشعب المصرى.
آفة مصر قبل ثورة 25 يناير الطاهرة كانت فى أمثال هؤلاء الذين تطوعوا وصنعوا بنفاقهم وتلونهم أصناما وآلهة هم فى النهاية بشر من لحم ودم، ولأن النفاق داء يجرى فى دمائهم، فإننى أحذر من الذين جبلوا على الرياء وسيتطوعون بالنفاق للحاكم أو الرئيس القادم أيا كان اسمه، وسيصنعون فراعين جددا، وستعود مصر دولة أشخاص وعصابات سلطة، كما كان يحدث فى عصر مبارك، ولن تكون أبدا دولة مؤسسات، هؤلاء هم الفلول الحقيقيون وهم الخطر الكامن على الثورة.. فاحذروهم.
عدد الردود 0
بواسطة:
مهندس/خالد زهير
الحيلة
عدد الردود 0
بواسطة:
gehanhany
ولكم فى رسول الله اسوة حسنة