لغز يستعصى على الحل، ومشكلة كانت موجودة ومتصاعدة خلال السنوات الخمس الأخيرة من حكم مبارك، ولاتزال بلا حل حقيقى وكأنها قدر، نقول هذا عن الزبالة التى أصبحت تشارك المصريين الشوارع والطرقات، وترتفع جبالا وتلالا فى كل الأحياء وأغلب المحافظات، بينما الحكومة لاتزال تفكر وتقف عاجزة عن مواجهة الشركات التى تحصل على عشرات الملايين وتعجز عن تنظيف الشوارع، وكأن هذه الشركات حاصلة على امتياز، أو أنها أقوى من الدولة، ومن الحكومة، لكونها «أجنبية». هل يجب أن نخاف من الشركات أكثر مما يخيفنا منظر «الوساخة» فى الشوارع؟ لقد كانت الحكومات السابقة متواطئة.. فهل يستمر هذا التواطؤ؟
شركات النظافة الأجنبية تحصل من جيوب المواطن على 456 مليون جنيه سنويًا، كما ذكر فى مجلس الشعب عام 2009، وهذه المبالغ تتضاعف مع كميات الزبالة التى تمثل ثروة باعتراف الزبالين، أى أن الشركات تحصل على ما يقارب المليار جنيه سنويًا من أجل الزبالة.
وللزبالة الحالية أساس تاريخى يرجع إلى عصر وزارة عاطف عبيد، صاحب الفضل فى استيراد الشركات الأجنبية والتعاقد معها، تعاقدات لايزال يحيطها الغموض، انتهت إلى أن المواطنين يدفعون أضعاف ما كانوا يدفعونه للزبال التقليدى، دون أن يحصلوا على نظافة، وتم نقل الإشراف من الزبالين التقليديين إلى الشركات الأجنبية، التى لا أحد يعرف عنها شيئا حتى الآن، وتردد أن وراءها بعض حلفاء النظام والحزب الوطنى، ممن شكلوا هذه الشركات بتراخيص أجنبية، بينما العمالة فيها مصرية.
المواطن أصبح يدفع ثمن جمع القمامة مرتين، واحدة على فاتورة الكهرباء، وأخرى للزبال التقليدى، وفى كل الأحوال تتضاعف الزبالة، كأن ما يتم دفعه وجمعه من المواطنين يدفع لإنتاج الزبالة وليس لجمعها.
مشكلة الزبالة كانت أحد أخطر القضايا التى سيطرت على اجتماعات مجالس المحافظين فى حكومات عبيد ونظيف، وانتقلت إلى مجلس الشعب، وظلت بلا حل. ولاتزال، وهى ليست مشكلة وليدة اليوم، لكنها مستمرة منذ سنوات. لكن الأخطر أن حكومتى شرف الأولى والثانية تقفان عاجزتين أمام جبال الزبالة فى كل مكان.. فى القاهرة والجيزة والإسكندرية وكفر الشيخ.. فى الصعيد وبحرى، فى الصيف والشتاء. ويفترض أن تسعى الحكومة الحالية لدراسة أوضاع الشركات وحجم الأموال التى يدفعها المصريون مقابل نظافة لا تتم.
ولا يجوز أن تستمر هذه الأوضاع المثيرة التى تسىء لنا، ومن مشكلة النظافة يمكن الحكم على مدى نجاح وفشل أى نظام. فإذا نجحت الحكومة فى النظافة يمكن توقع أن تنجح فى الصحة والتعليم. الزبالة ليست وليدة اليوم، لكنها تحكم شكل المستقبل. والمثير أنها لا تشغل اهتمام الأحزاب والتيارات السياسية القديمة والجديدة، مع أنها قضية لا يختلف عليها أنصار الدستور أولا، أو الانتخابات أولا، بل يجب أن نرفع شعار الزبالة أولا.