السخاء صفة حميدة، توحد وتقرب بين الناس وتخلق ترابطًا وجدانيّا واجتماعيّا فى الأمة.. الكريم محبوب من الناس، محبوب من الله، لأن الكرم صفة ربانية، فالله عز وجل خلق الوجود بكرمه، وخلق فيه من النعم ما لا يحصى ولا يعد، وسوف يعطى بكرمه المزيد من النعم فى الآخرة لمن سمع وأطاع. وأيضًا رحمته من كرمه فهو يرحم عباده فى الدنيا وسيرحمهم فى الآخرة بكرمه ورحمته.. والكرم صفة نبوية فكل الأنبياء كرماء بالفعل والقول. ولقد كان سيدنا محمد أكرم الكرماء، وكان نموذجًا حيّا للسخاء، تعلم منه الصحابة الكرم، وفعلوه، وكانوا يتسابقون فى البذل بالمال وبالأرواح فى سبيل الله سبحانه وتعالى. ولقد أخبر الله العزيز الكريم فى القرآن الكريم بأن المتقين سينعمون بنعم الله، لأن «فى أموالهم حق للسائل والمحروم». وقال أيضًا: «ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون».
ومن السخاء ترك الشهوات، لأن الشهوات هى إنفاق فى غير محله، ووضع النعم فى معصية لإرضاء أنانية الشخص، وتدمير للخير، وحجب لنعم عمَّن يستحقها. وقال المصطفى عليه الصلاة والسلام: «السخاء شجرة من أشجار الجنة، أغصانها متدليات فى الدنيا، من أخذ منها دخل الجنة، والبخل شجرة من أشجار النار، أغصانها متدليات فى الدنيا، فمن أخذ بغصن منها قاده إلى النار». والملائكة تنادى كل صباح: اللهم أعطِ منفقًا خلفًا وأعطِ ممسكًا تلفًا.
وقال الصادق الأمين عليه الصلاة والسلام: «ما نقص مال من صدقة». والبخل يصيب كل شىء فى الإنسان بالشيخوخة، القلب والبدن واللسان. قلب البخيل لا يقوى على حب الناس، ولا يقوى على قول محاسن الكلام المشحون بالوجد الصادق، الذى يسعد الناس، ويده لا تحب العطاء، بل تحب أن تأخذ فقط، ومنهم من يبخل حتى على نفسه، وصدق رسولنا العظيم حين قال: «تَعِس عبد الدينار». كانت معيشة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكفاف، ولكنه قال لسيدنا بلال - رضى الله عنه -: «أنفق بلال، ولا تخشَ من رب العرش إقلالاً». إنه المبدأ واليقين، ونور الباطن والإيمان الصادق بربه، الذى لا يهتز، وقد قال الكريم الوهاب فى الحديث القدسى: «أنا عند حسن ظن عبدى بى».
إن الذين فى خوف من الفقر هم فى فقر، حياتهم فى كدر. يفرون من أبواب العطاء والخير لدنيا الظلام، يغمرهم الخوف والقلق من أن تنقص أموالهم، وينسون أن الذى أعطاهم بالأمس سيعطيهم فى الغد إذا جادوا وأعطوا، أما أهل الجود والكرم فحياتهم سعيدة وقلوبهم راضية، يعطون لله، والله يجزل لهم العطاء فى كل صورة، من البركة فى العيش، والولد، والزوجة، والصحة، وأيضًا رضا القلب، وفوق ذلك رضا الرب، وهذا يعنى رضا الملك كله عليهم.