المسيحىُّ الحقُّ المؤمن، لا يسبُّ رمزَ الإسلام المتجسد فى رسوله محمد عليه الصلاةُ والسلام، مثلما المسلمُ الحقُّ المؤمن، لا يسبُّ رمز المسيحية، المتجسّد فى السيد المسيح عليه السلام.. هذا ما أعرفه وأؤمن به تمام الإيمان، من أجل هذا كان حزنى الدائم من بعض أئمة الزوايا الذين يُشعلون الفتنة ويُغضبون اللهَ تعالى فى خُطب الجمعة، بقول كلام مسىء عن أبناء مصر الأقباط، وحثّ المُصلّين المسلمين على عدم اتخاذ المسيحى صديقًا، بل عدم تهنئته فى أعياده، واقتصار التعامل معه على الضرورة والمصلحة!! وهو ما لم يفعله الرسولُ نفسُه الذى رفض جرح مشاعر النصارى، حينما دخل الكعبةَ لتطهيرها من الأصنام فى فتح مكة، ووجد صورتين، واحدةً للسيد المسيح، والأخرى للسيدة العذراء، وحين حاول المسلمون إسقاط الصورتين، وضع الرسولُ يدًا على كلّ صورة قائلا: «إلا هذه وإلا تلك»، وبقيت الصورتان فى الكعبة حتى جاء عهد عمر بن الخطاب الذى نحّى الصورتين، من أجل هذا رفضتُ برنامجًا تليفزيونيًّا مع أحد المتنصرين، لأنه يسىء للإسلام. كان هذا منذ عامين. اعتذرتُ له فى هدوء ونسيتُ الأمر تمامًا، شأنه شأن أى برنامج تليفزيونى أعتذر عنه لسبب أو لآخر، لكنه يدور الآن فى أروقة الإنترنت يزعم أننى رفضتُ الظهور معه لأنه تنصّر! «كيف وأنا أدعو إلى اعتناق العقيدة عن اقتناع وتدبّر لا عن وراثة وحتمية بيولوجية؟!» إنما رفضتُه لأسباب ثلاثة. الأول: لأنه مازال متمسكًا باسم «محمد»، وكأنما يحقق لنفسه لونًا من «التقية»، فيتعامل مع المسلم باعتباره مسلمًا، ومع المسيحى باعتباره مسيحيًّا، فينال رضا الطرفين على نحو برجماتى لا أقبله. فأنا أؤمن أن الحياةَ اختياراتٌ وأثمان. نختار طريقنا بملء إرادتنا، وهذا حقٌّ، ثم ندفع فاتورة اختيارنا، وهذا هو الواجب. لكن أن نستمتع بحقوقنا ونتنصل من بذل واجباتنا، فهو أمر غير نبيل، وفى تقديرى، أن المسيحية، شأنها شأنَ كل عقيدة، لن تفرح بمن يدخلها خائفًا مرتابًا يتخفى وراء اسم يشير بقوة إلى عقيدة أخرى. السبب الثانى: هو أننى بحثتُ عن اسمه فوجدته يملأ الدنيا سبابًا للرسول دون حياء ولا أدب، وهو ما لم أقبله ولن أقبله. ليس فقط لأننى مسلمة أحزن حين يُهان رمزُ عقيدتى، ولكن أيضًا كيلا أكون غير أمينة فى رسالتى التى أسعى فى كل كتاباتى إليها. فكيف أناهضُ أن يسبَّ أبناءُ عقيدتى المسلمون مسيحيًّا أو يزدروا دينه، وأقبل العكس؟! المبدأ واحدٌ. على كل إنسان أن يحترم عقيدةَ صاحبه، مثلما يطلب أن تُحترَم عقيدتُه. السببُ الثالث: أننى لا أفهم أن يترك إنسانٌ عقيدةً، ويختار أخرى، ليبدأ فى مهاجمة العقيدة الأولى وسبابها على صفحات الإنترنت، التى تسمح لكل من هب ودب أن يملأ الدنيا بالترهات غير المسؤولة وراء أقنعة. ما أفهمه هو أن من ترك دينه لأن دينًا آخر أقنعه أكثر، ما عليه إلا أن يَخلُص بكامل عقله وقلبه للدين الجديد لكى يتعمق فيه ويزداد إيمانًا. وأعرف نماذجَ من المتحولين، من الطرفين، يفعلون هذا بكل رقى وجمال. أما مَن يتحول ليتفرغ فى سبّ وشتيمة أبناء الدين الأول، فأظنهم وقفوا على الأعراف، لا هم ظلوا على دينهم، ولا هم اعتنقوا الدين الآخر. بل يحصدون الازدراء من أبناء الدينين معًا. لهذا يستنكر المسيحيون أنفسهم إحدى القنوات التى تخصص صاحبُها المتنصر «يحتفظ أيضًا باسم: أحمد» فى النيْل من شرف الرسول، مثلما يرفضون سلوك إحدى المتنصرات «الشهيرات»، لأن معجمها كله سبابٌ وقذفٌ واغتياب وتهديد ووعيد فى حق عباد الله، لأننا جميعًا نعلم أن المسيحى الحقيقى عفُّ اللسان تعلّم من كتابه كيف يحبُّ العدوَّ ويُحسنُ للمُبغض ويُصلّى من أجل الذين يسيئون إليه، فما بالك بمن لم يسئ من أبناء الدين الآخر؟
أما عجائب الأمور فهى أننى، على مدار عامين كاملين، لم أعلن حكاية السيد «محمد» ورفضى الظهور معه فى برنامجه، كيلا أكشفه وأصنع فتنًا لا داعى لها، لكن اللهَ شاء أن يكشفَ هو نفسَه بنفسِه الأسبوع الماضى، فى محاولة لتشويهى، كتب يقول: «فاطمة بنت محمد رفضت الظهور معى فى برنامجى لأننى لم أغير اسم محمد بعد تنصّرى!» وكأنها سُبّة، أولا: أن أكون بنت محمد، وثانيًا: أن أرفض الظهور مع المرائين الذين يظهرون بأسماء دين لا يخصهم، ويكيلون السباب له، وهم محتمون بالعيش فى أمريكا! السيد «محمد...»، هل ظن أن دفاعى عن حقوق الأقباط معناه أننى لا أعتز بدينى؟! ذلك النمط من التفكير ساذجٌ وسطحىّ وأحادىّ، إنما أدافع عن الحقوق المهدَرة للمرأة والأقليات لأن دينى يأمرنى بهذا، لكننى فى المقابل لا أقبل كلمةً مسيئة فى حق دينى.. نصيحة أخيرة للسيد «محمد...»، بما أنكَ اخترت المسيحية دينًا، فحاول، أنت وصديقتك المحامية «الشتّامة»، أن تحاكيا المسيحىَّ الحقَّ فى هدوئه ومحبته، المسيحىَّ الذى لا يعرف لسانُه السبابَ ولا قلبُه الكراهة والبغضاء، وكلُّ مَن عرفتهم من المسيحيين هكذا، وبالأولى حاولا أن تتمثّلا روحَ السيد المسيح عليه السلام، ذاك الذى لم يعرف الخطيئة طوال سنوات عمره الثلاثة والثلاثين، بشهادة القرآن الكريم، ولم يخطئ لسانُه يومًا فى حق بشر.