أرجو ألا يكون قد أصابك الملل من كثرة الحديث عن مشكلة الزبالة، أو القول إننا لا يمكن أن نعتبر أنفسنا فى الطريق إلى الديمقراطية قبل أن تخلو طرقاتنا من أكوام القمامة والنفايات. بل ربما كانت القمامة السياسية جزءًا مرتبطًا بقضية النظافة بشكل عام. والنظافة يبدو أن فيها سر المستقبل كله.
أمة لا تستطيع التخلص من نفاياتها لا يمكن أن تعبر نحو المستقبل بأمان. فكيف يمكننا أن ندافع عن مستقبلنا ونحن عاجزون عن حماية طعامنا وشرابنا وهوائنا؟ هى بالفعل قضية تتعلق بالسياسة والثقافة والحضارة، وتكشف عن عجز مزمن فى مواجهة مشكلة يمكن أن تكون قابلة للحل، بل هى كذلك، خصوصا أن الأمر لا يتعلق بنقص فى التمويل أو الإمكانات، بقدر ما يتعلق بشلل فى الإرادة.
واللافت للنظر أن هناك حلولا كثيرة لمشكلة الزبالة، تأتى من خبراء وعلماء ومواطنين، وحتى على «الفيس بوك» هناك مجموعات وأفراد يقدمون حلولا، لكن لا أحد يستمع، ولم تظهر حتى الآن مبادرة حكومية أو سياسية لإنهاء الزبالة والقضاء عليها نهائيًا. الأمر الذى يكشف عن أزمة إرادة. المواطنون ينتظرون بعضهم أو الحكومة، والحكومة تنتظر تعليمات من مكان أو شخص ما كأن هناك من ينتظر التعليمات ممن هو أعلى منه، وهو أمر يشير إلى أزمة فى الإرادة، وأزمة فى أن السياسيين والأحزاب يسارع قياديوها إلى نقاط الخلاف قبل أن يتوقفوا عند نقاط الاتفاق، فالماء والهواء والأرض مشتركات لا يختلف عليها أحد، ولا مانع من الاختلاف فى التفاصيل، كأمر طبيعى بين البشر. لكن ما يجرى عندنا يطرح أزمة حقيقية، فالمنزل يكاد ينهار، وهناك من يختلفون حول ملكية «السلالم». وبهذه المناسبة فقد كتب الدكتور مأمون فندى، الأستاذ بجامعة «جورج تاون»، مقالاً بديعًا عن هذا الأمر عام 2009 باسم «السياسة والزبالة» قال فيه: «الأنظمة تشبه شوارعها، فإذا رأيت شوارع نظيفة وحمامات عامة نظيفة، فتأكد أنك فى بلد ديمقراطى يعج بالحياة السياسية والاهتمام بالشأن العام، فى حين إذا رأيت شوارع متسخة وأكوام قمامة وحمامات عامة تجعلك تفرغ ما فى بطنك من الغثيان، فأنت بكل تأكيد أمام نظام ديكتاتورى أو فى مجتمع ماتت فيه السياسة بمعنى موت اهتمام الناس بالشأن العام. الزبالة فى أى بلد هى «ترمومتر» السياسة».
لا ينبغى أن يشعر أحد بالملل من مناقشة قضية الزبالة حتى يمكن الوصول إلى حل نهائى لها، ولن نستطيع الحكم على نجاح أو فشل حكومة أو أحزاب، ولا يمكننا أن نختبر قدرتنا على إدارة شؤوننا قبل أن نرى الشوارع خالية من النفايات،ساعتها سوف يخلو شارع السياسة من نفايات تعوق تقدمه، وتعرقل الوصول إلى الديمقراطية.
وربما كان الوصول إلى الديمقراطية النظيفة يجب أن يمر بشوارع ومنازل نظيفة تخلو من النفايات.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمدى سويلم
بارقة أمل
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد فهمى - تايوان -
الديمقراطية والسياسة النظيفة (1)
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد فهمى - تايوان -
الديمقراطية والسياسة النظيفة ( 2 )
عدد الردود 0
بواسطة:
hamada
الزبالة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمدى سويلم
الزبالين الجدد
عدد الردود 0
بواسطة:
Nader Elsafy
احترامي وامتناني للكاتب
عدد الردود 0
بواسطة:
جمال المتولى جمعة
مشكلة الزبالة