ما هى السعادة؟.. هل هى جمع المال ثم تركه يتراكم ليصبح تلالا تشع بريقا يرضى صاحبه، ويطمئنه على أن التلال تزيد، بحيث يصبح صاحب المال على شكل أو صورة من صور قارون المغرور بماله وبثروته. لقد جمع قارون المال، وأنكر الرزاق الوهاب، وظن أنه قادر على أن يرزق نفسه، ولكن الحقيقة التى لا تغيب عن عقل الحصيف، هو أن الرزق من عند الله سبحانه وتعالى، وأن الله يعطى العبد المال، ولكن يحاسبه عليه كله، وأيضا يحاسبه على الكيفية التى حصل بها على هذا المال، ويحاسبه إذا غلب حب المال حبه لربه ولتعاليم ربه.
المال إن لم يتطهر بالزكاة وبالصدقات، ويخرج من القلب ليصبح فى اليد، يصبح وثنا يُعبد تقدم له القرابين من الخلق والمادة، ويصبح محبوبا يتغزل فيه صاحبه، ويزهو به، ويتعالى به على غيره من عباد الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعس عبدالدرهم، تعس عبدالدينار».. حقا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذا الصنف من البشر يصبح عبدا للمال، وليس عبدا لرب السماوات والأرض. نعم، الحقيقة هى أن معهم المال ولكنهم بؤساء. إن المال يجذبهم إلى أسفل، إلى الحضيض المعنوى والمادى، فهم قساة القلوب، بصرهم مركز على تلال الأموال المعبودة، لا رحمة عندهم للسائل والمحروم. وبسبب هذا البخل، وبسبب هذا الحب أو العشق للمال، لا يجدون قلوبا محبة لهم، لأن الناس تحب من يحسن إليهم، وليس من يستغلهم ويتعالى عليهم، ولا يقدم لهم العون وقت الحاجة.
الأثرياء من المهاجرين المسلمين أمثال سيدى عثمان بن عفان، ذى النورين، وسيدى عبدالرحمن بن عوف، رضى الله عنهما، قدموا من الأموال فى السلم والحرب ما لا يتخيله أحد من العطاء المادى فى حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد انتقاله إلى بارئه سبحانه وتعالى، أما سيدنا أبو بكر، رضى الله عنه، فقد أخرج ماله كله فى سبيل الدعوة، وفى سبيل المسلمين. إنهم عباد الرحمن الذين وضعوا المال تحت أقدامهم، وكان الله سبحان وتعالى فى قلبهم، وآمنوا بمبدأ «من فرّج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة»، وعرفوا يقينا أنه «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».