دار حوار بينى وبين صديقى الليبرالى عن مسألة الدولة المدنية وما يحيطها من أفكار متعلقة..
قلت لصديقى: "لماذا يتهم الكثير من الليبراليين بأن من انتخب الإسلاميين جهلاء"، قال: "هم فعلا جهلاء"، فقلت: "هل من انتخب الإسلاميين فى نقابة الأطباء والمهندسين والمعلمين والعلميين جهلاء، وهل التونسيون الذين انتخبوا حركة النهضة جهلاء".
قال صديقى: "أين برامجهم إذن".. قلت: "أعضاء مجلس الشعب على مختلف توجهاتهم يتفقون على أن تكون هناك دولة متقدمة سياسياً واقتصادياً وعلمياً، وصراحة وبدون لف ودوران، فإن البرامج الحزبية كلها فى وسائلها متشابهة تماما، ولكن الاختلاف الجوهرى بين الأحزاب يكون بين ثلاثة أشياء المرجعية، والقاعدة الشعبية التى تمنحهم القدرة على التنفيذ، والخبرات والممارسة، وأن بعض العلمانيين والليبراليين، قالوا إن الدولة المدنية لا دين لها، وطالبوا بإزالة المادة الثانية من الدستور، فزاد تأكيد الناخبين على اختيار المرشح ذى التوجه الإسلامى والخبرة أيضا، كى يحافظوا على الهوية.
وأضفت: إنى أتعجب: لماذا دول كثيرة متحضرة كالدنمارك وأسبانيا والسويد، تنص فى دستورها على أن يكون الملك من أتباع الكنيسة، ونحذف نحن مثل هذه المادة، فلماذا لا نحافظ نحن على هويتنا كما تحافظ هذه الدول الديمقراطية التى يتخذها العلمانيون والليبراليون نموذجا وقدوة"، قال: "القصة ليست المادة الثانية من الدستور، ومن قال إن الليبراليين والعلمانيين يريدون محو الهوية، فالحرية والمساواة والعدل كلها فى الإسلام، ولا اختلاف فى ذلك"، قلت له: "ليس هذا فقط، بل لا بد من تفعيل ذلك على أرض الواقع وتطبيق المنظومة القيمية على الفن والاقتصاد... إلخ"، قال: "إنهم سيفرضون رأيا معين على الناس"، قلت: "ومن قال هذا.. إن عصر الفرض الجبرى قد انتهى فمن يأتى بالانتخابات لا يزيله إلا من خلالها، كما أن الحرية مكفولة للجميع ما لم تضر".
قلت له إن عزوف الناخبين فيما تسميهم أنت "جهلاء"عن انتخاب الليبراليين هو أن العلمانية والليبرالية هى حل لمشكلة نشأت فى القرون الوسطى لا علاقة الشعوب العربية بها، ولكن دعك صديقى العزيز من قصة القوانين، وفى نفسى أعتبر ما قاله "سبا" للشعب وعدم احترام إرادته، وهو الشعب نفسه الذى اختارهم وانتخبهم".
قاطعنى وقال: "إنهم سيطبقون الحدود" قلت: "كم تمثل الحدود فى الشرع، كما أن الحدود تطبيقها يحتاج إلى وقت ربما تأخذ قروناً، وفقا لدرجة التقبل الاجتماعى، وتوفير ما يسمى حد "المئونة" و"الكفاية"، فلماذا تقول صراحة إن الأحزاب "النخبوية" لا تسعى إلى أن تحقق مبادئ الشريعة الإسلامية من اقتصاد وسياسة وقوانين، قال: إن الإسلاميين يقولون إنهم الحقيقة المطلقة": قلت: "هاتلى بنى آدم قال الكلامد ده، فهم يجربون النموذج الإسلامى وليس عند فشل تجربتهم هى فشل الإسلام".
وقلت له بصراحة مطلقة لماذا نأتى بالليبرالية والعلمانية التى لا تتعدى المائتى عام وتوجد حضارة الـ 1400 عام، لماذا أستبعد ما أملكه من خبرات على مدار كم هذه السنوات وأطرحه جانباً. ولماذا نصر على تطبيق الرأسمالية التى تنهار أمامنا، فانهيار معظم البنوك الأمريكية وتسريح العمل واتباع أسبانيا واليونان لسياسة التقشف، ووجود الأزمة العالمية هى أكبر دليل، فلماذا لا نستفيد من تجارب الدول ونصمم على تكرار الأخطاء"، فقال لى بصراحة أنا لا أضع أموالى فى البنوك الربوية، وإذا وضعت أسحب أموالى التى أودعتها فقط، دون أن آخذ الفوائد"، وقال: "هو فين الأزمة ديه كل الكلام اللى أنت قلته ده كلام على ورق"، ثم قال لى: "طب بص معلش أنا هكمل كلامى معاك بعدين أصل مشغول دلوقت"، وانتهى الحوار.
توقفت مع نفسى، وتعجبت من طريقة تفكير صديقى وهى كيف
يناقض نفسه بين دعوته إلى الرأسمالية وبين فعله بعدم قبوله الفوائد البنكية، لكن ترى هل مازال صديقى مشغولا حتى الآن؟!