بعد أيام تحل الذكرى الأولى لثورة 25 يناير المجيدة، التى غيرت مجرى التاريخ فى مصر وفى المنطقة وامتدت تداعياتها إلى مختلف أنحاء العالم، وشهد الدانى والقاصى على عظمتها وتميزها بين الثورات التى عرفها التاريخ، ورغم إسقاط رأس النظام ومثوله للمحاكمة، إلا أنه لا يختلف اثنان على أن الثورة لم تؤت حتى الآن ثمارها، وأنها تواجه رياحا مضادة عاتية وعصية، هذه الرياح التى تعددت مصادرها وتلونت وتنوعت، سواء من فلول النظام السابق أو من الرافضين للثورة فى الداخل أو من التدخلات الأجنبية الدولية والإقليمية صاحبة الأجندات الخاصة المناقضة تماما لأهداف الثورة، ولكن فى رأيى الخاص أن أقوى وأخطر الرياح المضادة لهذه الثورة هى القادمة ممن نصبوا أنفسهم آباءً لهذه الثورة وامتطوا صهوتها، وانحرفوا بها فى طريق بعيد تماما عن أهدافها وقضاياها، رغم أنهم لم يكن لهم أى دور فى الإعداد لها ولا تفجيرها، ولم يشاركوا فيها إلا بعد أن أثبتت قوتها وفرضت نفسها.
ليس فقط التيارات الإسلامية السياسية من إخوان وسلفيين هم الآباء الذين فرضوا أنفسهم على ثورة الشباب المصرى، بل كافة التيارات والنخب والأحزاب السياسية الموجودة على الساحة المصرية، ولكن الإخوان والسلفيين هم من نالوا النصيب الأكبر من هذه الأبوة المزعومة للثورة، خاصة بعد فوزهم الساحق فى الانتخابات البرلمانية التى لم ينافسهم فيها أية قوة سياسية حقيقية أو فعالة على الساحة، ورغم أن البرلمان لم يستعد بعد لاستقبال النواب الجدد، إلا أن الإخوان والسلفيين فرضوا أنفسهم على الساحة المصرية فى كافة المجالات، وليس فى السياسة فقط، وها هم قبل أن يتولوا السلطة فى البلاد يخرجون علينا فى ثوب الرهبان والقديسين يمنحون صكوك الغفران لمن يشاءون، ولمن يأتى إليهم يشهر توبته ويعلن ولاءه، وها هم نجوم الفن فى مصر من مطربين وممثلين وغيرهم يتوافدون على بلاط أصحاب السلطة القادمة توددا وتقربا وطلبا للسماح والرضا، وها نحن لأول مرة نرى ونسمع عن حوارات ولقاءات من هذا القبيل، وكأن أهل الفن يعترفون علنا بأن ما كانوا يمارسونه من قبل يتعارض مع الدين.
لقد ذهب نقيب الممثلين المصريين إلى المرشد العام للإخوان المسلمين فى بيته، وأنكر النقيب أنه ذهب باسم الممثلين، ولكنه ذهب بصفته الشخصية كفنان، وعلينا أن نصدق ذلك وكأنه أمر عادى كما صوره النقيب ردا على منتقديه، وشاهدنا أيضا حشدا من نجوم الوسط الفنى يلتقى بمسئول "اللجنة الفنية لجماعة الإخوان"، وأعتقد أن هذه اللجنة تشكلت منذ وقت قريب تماشيا مع الأمور من باب التقرب وإزالة المخاوف، وهناك مسمى لمسئول آخر فى الإخوان لفت انتباهى وأضحكنى فى نفس الوقت، وهو "مسئول لجنة الدراما والسينما فى الجماعة"، سمعناه يطلق "صكوك غفران" للفنانين تتلقفها وسائل الإعلام بشغف وكأنها تهنئ هؤلاء الفنانين بها، حيث يقول هذا المسئول إنه معجب بالفنان أحمد حلمى، ولا يحب عادل إمام، وربما نسمع قريبا عن مسئولين آخرين فى الجماعة فى السياحة والخمور، وأشياء أخرى مما تحوم حولها شبهات التحريم والتحليل، بينما الإخوان وأيضا السلفيين تتوالى تصريحاتهم حول التحليل والإباحة حتى للمحرمات بنص قرآنى صريح، وذلك تقربا من الناس وسعيا للسلطة.
وليس فقط الفنانون، بل كثيرون من القوى السياسية الأخرى ينافقون الإخوان والسلفيين، وخاصة المرشحين المحتملين للرئاسة الذين يتسابقون على تقديم فروض الطاعة والولاء لهم، ولا أستبعد أن نشاهد قريبا فئات أخرى تقف فى طابور "صكوك الغفران" من الراقصات وأصحاب الملاهى الليلية وبائعى لحم الخنزير، وأيضا من رجال الأعمال والمسئولين الذين تحوم حولهم شبهات الفساد، وغيرهم الكثيرون، وكما لم نسمع من قبل أن أحدا طلب صك الغفران من الكنيسة ورفض طلبه، فإننى على يقين من كرم وجودة وسخاء الإخوان والسلفيين فى منح هذه الصكوك.
هذا ما وصلت إليه الثورة المصرية فى نهاية عامها الأول، نفاق متبادل لا علاقة له بالثورة ولا بالدين، وصراع محتدم على مقاعد الحكم والسلطة تضيع فيه قضايا الوطن والأمة وتسقط فيه كل مبادئ الوطنية والمصلحة العامة، وشعب مسكين قدم أبناءه فى زهرة شبابهم شهداء فى ثورة كان ينتظر من ورائها الكثير ولم يحصل على شىء، ووجد نفسه جالسا فى مقاعد المتفرجين.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ريهام
عودة للعصور الوسطى
عدد الردود 0
بواسطة:
ايوب المصري
مقالة ممتازة
عدد الردود 0
بواسطة:
شادى
I disagree
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد إسماعيل
متى يفيق المثقفون والنخبوية من فزعهم؟
عدد الردود 0
بواسطة:
ابا الحارث المسيرى
اتقى الله