إذا كنا نتحدث عن مؤشرات نجاح الأمن، ووزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم، فعلينا أن نتذكر أن الأمن لا يقوم على الشرطة فقط، وأن إعادة العلاقة طبيعية بين الشعب والشرطة يحتاج الى إزالة أسباب التوتر والاحتقان والعداء التى تسبب فيها جعل الأمن فى خدمة السياسة، وبشكل أوضح فى خدمة الرئيس، والذى كان يعتبر نفسه النظام والدولة، ومن هنا وقع الخلط وترسخت المشكلة الأساسية التى فصلت الشعب عن الشرطة.
نعود لنؤكد أن الشرطة دفعت ثمن أخطاء السياسة، وإذا كنا نريد إعادة بناء جهاز أمن حقيقى، فيجب أن يبقى بعيدا عن الأحزاب والسياسة وألاعيبها. لقد تغولت أجهزة الأمن خلال السنوات الأخيرة وتدخل الأمن فى الأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ووصل الأمر إلى أن يتدخل الأمن فى أزمات الخبز والانتخابات والوظائف، كانت تقارير أمن الدولة تتحكم فى مصائر المواطنين المرشحين للعمل، وهو أمر أوقع ظلما على كثيرين، وأضاع مستقبلهم.
وأول ما يفترض اتخاذه أن يكون دور الأمن هو حماية الممتلكات والأرواح وإبعاده تماما عن الانتخابات والجداول الانتخابية والتقارير الأمنية، مع إعادة تأهيل الضباط والعاملين وتدريبهم على استخدام التكنولوجيا والتقنيات الحديثة فى التعامل مع الجريمة، والمساواة فى الحقوق والواجبات بين العاملين وعدم التفرقة بينهم فى الرواتب والعمل.
وما ينطبق على الشرطة ينطبق على باقى مؤسسات الدولة، ومنها القضاء والتعليم والصحة وغيرها، فالفساد والخلط وصل إلى كل مكان، ويفترض أن يسعى النظام القادم لإعادة هيكلة كل المؤسسات حتى يمكن إعادة بنائها على أسس ديمقراطية، حيث لا يمكن إصلاح الشرطة دون إصلاح التعليم، ونفس الأمر بالنسبة للعلاج والقضاء، فالمنظومة كلها تتداخل وتتقاطع وتحتاج إلى إعادة نظر شاملة.
وإذا عدنا للشرطة فسوف نكتشف أنها الجهاز الوحيد الذى يسمح له بحمل السلاح واستخدام القوة فى تنفيذ القانون، وبالتالى فإن هذه القوة يجب أن تكون تحت رقابة صارمة من القانون حتى لا يساء استخدامها، أو يستغل بعض أعضاء الجهاز نفوذهم للحصول على ما هو ليس من حقهم.
ونعود للتأكيد على أن نجاح وزير الداخلية محمد إبراهيم فى استعادة الأمن يحتاج إلى أن يكون سياسة دولة، وليس فقط سياسة وزير، وكما قلنا فإن أمن الدولة لا يتعلق فقط بالشرطة، بل بكل ما يهدد حياة المواطنين، اجتماعيا وصحيا، فالفقر يمثل تهديدا اجتماعيا لأمن الدولة، والمرض يمثل نفس التهديد، وأمراض مثل الكبد الوبائى أو السرطان تمثل تهديدا لأمن الدولة مثل تهديد الإرهاب، وهى أخطار لا تحتاج الداخلية لمواجهتها، بل تحتاج لنظام كامل لصياغة العلاقات والمؤسسات ومفهوم العدالة، حتى يمكن مواجهة ما يهدد أمن الدولة، بما يقلل العبء على الشرطة ويتيح لها استعادة العلاقة مع المواطنين.. من هنا يبدأ الأمن الحقيقى.