فى رقبتى لك اعتذار وأسف عن الغياب بدون إذن..
أقول ذلك بدافع العشرة التى خلقتها بيننا تلك السطور ولا شىء آخر، فلا أعرف إن كنت قد افتقدتنى مثلما افتقدتك أم لا!
عموما دعنى أخبرك أن الغياب القسرى طعمه مر، ويزيد طعم المرارة فى الأفواه حينما يضرب الخلاط أحزانك الخاصة فى مآسى هذا الوطن وناسه، هكذا نحن البشر ياسيدى تعلمنا أن نطوى أحزاننا الخاصة فى فرحة عامة، أو نطوى أحزاننا العامة فى فرحة خاصة، وحينما تختفى الفرحة من هنا أو هناك نضرب الحزن فى الخلاط ونشربه فيزداد بنا السكر ونتوه ولا نجد أفضل من الزوايا لنتكور فيها ونختبئ.
كنت مختبئا ياسيدى، والاختباء فى بعض الأحيان أفضل من الخروج إلى ساحة المواجهة، هل تخبرنى مثلا: كيف يمكن أن تواجه خبر إخلاء سبيل رجل الأعمال السويسى إبراهيم فرج وولده؟ ثم إعادة التحفظ عليه بعد انفجار بركان الغضب بالسويس ؟! كيف يمكن أن تتعامل مع معلومة مثل هذه تخبرك بأن الرجل الذى سقطت أجساد شهداء السويس أمام عماراته وكانت أسطح ممتلكاته المقر الرسمى لإطلاق النار على المتظاهرين تم إخلاء سبيله هو وولده قبل أيام قليلة من ذكرى الاحتفال بـ25 يناير وبذكرى استشهاد شباب السويس؟ كيف يمكن أن تتقبل إخلاء سبيل إبراهيم فرج وأولاده بعد كل الحكاوى والفيديوهات التى رصدت طلقات الرصاص وهى تنطلق من فوق ممتلكاته إلى صدور المتظاهرين؟
هذا ليس تعليقا على خبر قضائى أو تدخلا فى عمل العدالة، ولكنه استنكار لفكرة وجود عدالة بلا قلب يشعر بأحاسيس أهالى السويس، ولا يوجه طعنات سكين الإفراج عن قاتل أولادهم أو المتهم بقتلهم إلى صدورهم بالإفراج عنه.
لا تسوق لى مبررات احترام القضاء وعدم التدخل فى شؤونه، لأن الأمر هنا لم يتعد فكرة الاستنكار لوجود قضاء بلا عقل ووعى سياسى يغفل عن أن إخلاء سبيل إبراهيم فرج وأولاده فى هذا التوقيت الذى تشتعل فيه السويس وتتزايد الدعوات المتهورة بضرورة القصاص عبر ميليشيات مسلحة بعيدا عن القانون، يدعم فكرة تحويل الذكرى الأولى للثورة من احتفال إلى ثورة جديدة تأخذ البلد إلى منحنى آخر لا نعرف طبيعة ما به من مطبات.
ليس اعتراضا ياسيدى، ولكنه استنكار وتعجب من قاض يبدو أنه لا يدرك أن القانون لا يعمل فى معزل عن الظروف المحيطة.
تعجب من قضاء لا يقرأ، وبالتالى لا يعرف أن إبراهيم فرج وأولاده ربما يكونون هم الأسباب الحقيقية لاشتعال تلك الثورة بالدماء التى أراقتها الأسلحة الكامنة فى ممتلكاتهم طبقا لشهود العيان، ولقناعات أهالى السويس جمعاء، وأن إخلاء سبيل هذا الرجل وأمثاله فى المحافظات الأخرى أمر كفيل بإشعال الدنيا فى ذكرى 25 يناير القادمة، لأنه يغذى إحساس أهالى الشهداء بأن القضاء غير قادر على القصاص لهم.
لا راحة يمكن أن تشتمها من خلف هذا القرار الذى يبدو كأنه يقول للناس «اخربوها فى 25 يناير» لأن تأجيل إخلاء سبيل إبراهيم فرج إلى ما بعد مرور ذكرى الاحتفال الأول بالثورة أمر طبيعى وفى يد السلطة القضائية والتنفيذية، بل كان الإبقاء على إبراهيم فرج داخل السجن أمرا ضروريا إن لم يكن بتهمة قتل المتظاهرين، فعلى الأقل للبحث عن تفسير واضح لثراء هذا الرجل الفاحش.. وكيف تحول من سايس وعجلاتى إلى إمبراطور ومليونير؟