أسهل شىء فى الدنيا أن ترجع بكرسيك قليلا للخلف وأنت تحتسى قدحاً من الشاى أو القهوة، لتبدأ بعدها على الفور فى التشكيك فى نوايا من تختلف معهم فكرياً أو أيديولوجياً، وترميهم بعد ذلك بالعشرات من التهم.
هذه فى اعتقادى واحدة من المشاهد التى مازالت تحكم الصورة العامة فى مصر، رغم الشوط الكبير الذى قطعناه فى طريق التحول الديمقراطى، بعد إجراء انتخابات مجلس الشعب التى أشاد بها العدو قبل الصديق.
ليس معنى أنك يسارى أنك تحتسى الخمر ليل نهار، أو أنك لا تعترف بالهوية الإسلامية والشرقية لهذا الوطن، وليس كونك إسلامياً مرادفاً لرغبتك الدائمة فى فرض النقاب، أو حتى الحجاب، على أى فتاة تسير فى الشارع، فهذه من وجهة نظرى هى الصور الذهنية التى ربما تلتصق بقصد أو بدون قصد بحقائق الأشياء.
دائماً ما تكون هناك مساحة وسط، يمكن أن تقف عليها مع من تختلف، هكذا علمتنى كما علمتك الحياة، ففى البيت تفعل الكثير مما لا ترضى عنه، من أجل أن تنال رضا زوجتك، والسبب أنك تحبها، والفعل نفسه تكرره بوعى أو بدون وعى، مع العشرات من زملاء العمل والأهل والجيران، وذلك لأن الوصول للمساحة المشتركة متاح طالما حسنت النوايا.
كلنا خاسر إذا استسلمنا جميعا للظنون والهواجس التى تملأ صدورنا كل منا نحو الآخر، أيا كان لونه أو اسمه أو فكره، ما أراه حالياً أننا فى أمس الحاجة فى اللحظة الراهنة لأن نبنى جسور الثقة فيما بيننا، وأن يؤمن كل منا بأن أخيه اليسارى أو العلمانى أو الإسلامى يحب هذا الوطن مثله تماماً.
لا أضيف جديداً إذا قلت أن هناك حالة كبيرة من الاستياء التى تنتاب العلمانيين والليبراليين، بل وربما اليساريون فى مصر، من الصعود الكبير للإسلاميين، الذى بدا واضحاً فى انتخابات مجلس الشعب الأخيرة.
ولا أبالغ إذا قلت أن هناك من ينتظر انعقاد أولى جلسات مجلس الشعب ليفتح على برلمان النور والإخوان جهنم الأزمات التى لا تعرف الرحمة، وهو ما يعنى أن مصر ستظل طوال السنوات الماضية دائرة فى حلقة مفرغة.
دعنى أقول لك بمنتهى الصراحة أن استقرار وتقدم بلدنا الحبيب خلال الفترة المقبلة لن يصب فى صالح الإسلاميين وحدهم، فالليبراليون واليساريون وغيرهم من طوائف هذا الشعب سيربحون الكثير إذا أتيحت لهم الفرصة لأن يعيشوا فى مجتمع يحترم الإنسان، ويمنحه حقوقه الأساسية فى المأكل والمشرب والملبس والتعليم.
وبالمنطق نفسه، فإن خسارة الجميع ستكون مضاعفة إذا ساهموا فى خراب هذا الوطن؛ لأنهم ساعتها سيجلسون معاً على أطلاله ليبكوا ساعة لا ينفع الندم.
المطلوب على الفور من جميع الأطراف أن يجتمعوا على كلمة سواء، فالإسلاميون عليهم بث المزيد من الرسائل لطمأنة كافة الأطراف، خاصة فيما يتصل بقضايا الحريات، والليبراليون واليساريون عليهم أن يمنحوا الإسلاميين فرصة للعمل.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
جمال مصطفى
لا تقلق يا استاذ سيد شيحة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
ولو اتشقلب الإخوان وعملوا شقلباظات مش هيعجبوا الليبراليين
عدد الردود 0
بواسطة:
أبو أسامة
طلب ورجاء
عدد الردود 0
بواسطة:
ابو عبد الرحمن
نعم الراي
اصبت كبد الحقيقة يا اخي ونعم الراي