تحدثنا فى المقال السابق عن الأحزاب الإسلامية والانتخابات والمتمثلة فى حزبى الحرية والعدالة من ناحية والنور من ناحية أخرى، واليوم نتناول الحديث عن الأحزاب الليبرالية، والمقصود هنا بالليبرالية الأحزاب ذات التوجه المدنى وليس الليبرالية بالمعنى المتعارف عليه من حيث إنها الرأسمالية.. ثلاث قوى وتحالفات مثلت التيار المدنى فى الانتخابات، وهى حزب الوفد وتحالف الكتلة المصرية وتحالف الثورة مستمرة، وإذا بدأنا بالوفد فإننا لابد أن نقرأ نتائجه مقارنة بنتائج القوى الإسلامية قراءة متواصلة مع أداء الوفد فى المرحلة السابقة للثورة المصرية فى السنوات القليلة التى خلت، والتى اتخذت منحى آخر منذ تولى الدكتور السيد البدوى مقاليد رئاسة الحزب العام قبل الماضى، فبرغم احتلال حزب الوفد المركز الثالث فى الانتخابات فإن نتائجه تعبر عن خيبة حقيقية، فالحزب الذى يبلغ من العمر نحو تسعين عاما وكان يملك من التاريخ والمكانة ما يمكن أن يجعله فى مقدمة الأحزاب والتيارات السياسية، وهو ما لم يحدث، وذلك لأسباب عدة، فمنها صفقات قيادات الوفد مع النظام السابق مما أفقدها التواجد بشكل حقيقى فى الشارع، فتحول الحزب إلى كيان ورقى كرتونى، وحتى عندما أعطتنا الانتخابات الداخلية الأمل فى وفد جديد يستطيع أن يقود الحراك السياسى الوطنى، وهو ما تلاشى من ممارسات قيادات الوفد والتى كانت استمرار للنهج القديم فى مهادنة النظام، بل أحيانا التواطؤ معه، أما بعد الثورة فالحزب العريق بدلا من يقود التيار الليبرالى والمدنى لتشكيل كيان حقيقى يعبر عن التراث والفكر الليبرالى العريق، إذا به ينفرد بتحالف غير واضح المعالم مع جماعة الإخوان المسلمين، مما أفقده جزءا كبيرا من المصداقية، كل ما سبق أثر بشكل كبير على نتائج الحزب والتى بعكس ما يوحى قيادات الوفد فإنها نتائج ضعيفة.
بالانتقال إلى تحالف الكتلة المصرية الذى تشكل من ثلاثة أحزاب هى المصريين الأحرار والمصرى الديمقراطى الاجتماعى والتجمع، فإنها عبرت بشكل أو بآخر عن وجه صاعد يريد أن يسد الفجوة التى تركها حزب الوفد وأيضا الدفاع عن قيم المواطنة والدولة المدنية والتى أصبحت محل نقاش وخلاف جراء تصاعد القوى الإسلامية، والكتلة رغم حداثة عمرها فإنها حققت نتائج مقبولة إلى حد بعيد، خاصة أنها واجهت حملة تكفير واتهامات دينية شعواء من بعد القوى الدينية، وهو الأمر الذى أثر على أدائها فى المرحلة الثانية والثالثة، أضف إلى ذلك ضعف خبرة قيادات وكوادر أحزاب الكتلة وعدم تواصلهم مع الشارع بشكل كاف، وكل ذلك يضاف له عدم نضج الخطاب السياسى للكتلة والتيار الليبرالى بصفة عامة.
أما الثورة مستمرة فهو تحالف عبر بشكل كبير عن الجناح اليسارى فى الثورة المصرية مما أورثها الإرث الثقيل للتيار اليسارى المصرى خلال السنوات الماضية، والذى عانى من الضعف والجمود وعدم التطور، كما أورثها حملة التشويه المستمرة ضد الثورة والتى قطعا أثرت بشكل كبير على أداء التحالف، لكن يحسب لتحالف الثورة مستمرة أنه أكثر التحالفات التى احتفت بالشباب، فمعظم الشباب الذين ترشحوا فى الانتخابات السابقة كانوا على قوائم الثورة مستمرة، والأمر المثير أكثر للإعجاب أنهم جميعا كانوا فى ترتيب متقدم على القوائم.
بشكل عام على التيارات المدنية أن تقف وقفة جادة مع الذات ومراجعة خطابها السياسى ومحاولة التواصل مع الشارع المصرى، خاصة القطاعات البسيطة من الشعب، وهو ما يخلق قواعد سياسية حقيقية لها، مما يجعلها أكثر حضورا داخل المؤسسات السياسية ويجعلها أكثر حضورا فى المشهد الانتخابى المصرى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة