منذ أيام قليلة مرت الذكرى الرابعة والتسعين لميلاد "زعيم الأمة العربية"، وهذا اللقب أو الوصف لم يحظ به أحد على مر التاريخ سوى جمال عبد الناصر، وفى هذه الذكرى التى تتوافق مع مرور قرابة عام على ثورة الشعب المصرى فى 25 يناير، يجدر بنا أن نتذكر هذا القائد التاريخى الذى لم تستطع هزيمته الحربية فى عام 1967، ولا الحملات الإعلامية الشرسة على مدى أربعة عقود بعد رحيله أن تقلل أو تضعف مكانته فى قلوب الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، ورغم الشعبية الكبيرة لعبد الناصر فى الشارع المصرى، والتى زادت وظهرت بوضوح بعد ثورة 25 يناير فى ظل حيرة الشعب المصرى الثائر فى البحث عن زعيم وقائد يقود ثورته التاريخية، ورغم محاولات تفادى التيارات السياسية المناهضة لعبد الناصر، مثل الإخوان المسلمين وحزب الوفد، وربما السلفيين، تناول سيرته أو الهجوم المباشر عليه حتى لا يصطدموا مع التيارات السياسية الأخرى ومع قطاعات الشعب الواسعة التى تتمنى الآن زعيم وقائد مثله، إلا أننا نسمعهم فى وسائل الإعلام يتناولونه بشكل غير مباشر عندما ينسبون فساد عهد حسنى مبارك إلى ما يسمونه "حكم العسكر" محددين زمنه بالستين عامًا الماضية، وسمعنا بعضهم يقول، إن مصر بعيدة عن الدين والإسلام منذ ستين عامًا مضت، وكأن ثورة يوليو عام 1952، كانت ثورة ضد الدين والإسلام الذى كان محترمًا فى ظل الملك والاستعمار البريطانى.
لهذا وللتاريخ وأيضا لوجه الله، رأيت فى هذه الذكرى بالتحديد أن لعبد الناصر حق علينا نحن الجيل الذى نشأ مع ثورته وتمتع بإنجازاتها وعاش بحق وصدق أحاسيس الوطنية والعزة والكرامة، له حق علينا أن نذكر إيمانه الصادق بالله عز وجل، هذا الإيمان الذى لم يتمثل فى شكل ولا شعارات، بل فى إنجازات وأفعال لم يمحوها ولم يشوهها تعامله مع جماعة الإخوان المسلمين الذى كان هو شخصيا ينتمى إليهم يوما ما قبل الثورة، فقد كان تعاملا سياسيًا بحتا لا دخل للدين فيه ولم تطرح فيه حتى الآن أية قضية خلاف دينية بل كلها كانت قضايا سياسية وصراع على السلطة.
للتاريخ أيضا نذكر ونقول، إنه لم يشهد الأزهر وجامعته العلمية دعما وتأييدًا من نظام حكم مصرى مثلما شهد فى عهد عبد الناصر، ويكفينا أن نذكر تأسيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية وتخصيص ميزانية خاصة بجامعة الأزهر وإنشاء مدينة البعوث الإسلامية التى استقبلت الدارسين والباحثين المسلمين من مختلف أنحاء العالم لتلقى التعليم العالى فى الأزهر على نفقة الحكومة المصرية، وكثيرون منا يذكرون مجلة «منبر الإسلام» أول دورية شهرية إسلامية فى تاريخ مصر التى كان يصدرها الأزهر على نفقة الدولة وتباع بسعر رمزى ثلاثة قروش فقط وكانت تحوى مواضيع وقضايا إسلامية يتناولها أكفأ علماء المسلمين الذين يصعب وجودهم وتجميعهم الآن فى زمن تشتد حاجتنا لهم فيه أكثر من أى زمن مضى، ونذكر جميعا لهذا الزعيم الذى اتهموه بالإلحاد أنه هو الذى أمر بتأسيس إذاعة القرآن الكريم لتعمل أربعة وعشرين ساعة متصلة، وأن عبدالناصر هو الذى اختار منبر المسجد ليخاطب منه الشعب ويحثه على قتال العدو، وأنه الزعيم الذى شاهدناه مرات عديدة على شاشات التليفزيون يصلى الجمعة مع الناس ثم يخرج من المسجد وسط الجماهير الغفيرة، وهو مشهد أصبح نادرًا بعد عبد الناصر بحجة الدواعى الأمنية، ولكن القائد الزعيم الذى كان يؤمن بقدر الله عز وجل وبحب شعبه له، كان يؤمن فى نفس الوقت أن حب الناس من حب الله وأن الحامى هو الله، ولم يسمع عن عبد الناصر أنه ارتدى يومًا قميصًا واقيًا ضد الرصاص، وكنا نشاهده دائما وسط الجماهير الغفيرة يعانقونه ويصافحونه ويحتار الأمن فى حمايته فيتركه لهم، وكم مرة فشلت الإجراءات الأمنية وعانى عبدالناصر وأصيب بآلام بسبب تهافت الجماهير عليه.
أما عن علاقته بالاتحاد السوفيتى فالحديث عنها يطول، يكفى فيها الإشارة هنا إلى أن عبد الناصر لم يكن يوما ما محبوبًا من موسكو ولا محل لثقتها الكاملة، وهو الزعيم الثورى الوحيد الذى رفضت اللجنة المركزية للحزب الشيوعى السوفييتى برئاسة بريجنيف عام 1972 بعد وفاته بعامين إطلاق اسمه على أى ميدان أو شارع فى مدن الاتحاد السوفيتى التى حملت أسماء المئات من القادة الثوريين، بحجة أنه لم يكن صديقا مطيعا لهم، وهذه حقيقة انكشفت فيما بعد فى مذكرات الزعيم السوفيتى الأسبق خروتشوف التى نشرت مؤخرًا فى الولايات المتحدة الأمريكية، والتى اتهم فيها سلفه فى الحكم "بريجنيف" بأنه خان عبد الناصر حتى بعد موته.
ثورة 25 يناير أحيت من جديد ذكرى عبد الناصر وشوق الشعب المصرى لزعيم وقائد مثله، وليس من مصلحة أحد الآن مهاجمته أو الانتقاص من مكانته، لأن هذا فى حد ذاته تشويه متعمد لذاكرة الشعب المصرى والأمة العربية والإسلامية أيضا.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
أيمن صادق
تسلم يا دكتور
عدد الردود 0
بواسطة:
أيــــــــــــــــــــوب
أنت تشهد .. ونحن أيضا
عدد الردود 0
بواسطة:
المصرى
وا قــدســاه
عدد الردود 0
بواسطة:
أبو العربى
الزعيم العربى
عدد الردود 0
بواسطة:
sherif
شكرا
عدد الردود 0
بواسطة:
د. احمد سعيد
كفاكم خداعا
عدد الردود 0
بواسطة:
ام يتال
رجل احترمه واجله ولم اعش زمانه
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد بسيوني
أصحي
عدد الردود 0
بواسطة:
mohamedkamal
ليس هناك من البشر من يتصف بالكمال فالكمال لله وحده