إسلاميون يريدون حراسة الكنائس أثناء الاحتفال بعيد الميلاد، والمسلمون يتضامنون رفضا لتصريحات البعض التى ترفض تهنئة المسيحيين بالعيد.. شعور طيب بالتأكيد، فلا المسيحيون ولا المسلمون يريدون إفساد احتفالات تعكر صفوها لعامين متتالين، مرة فى نجع حمادى والأخرى فى الإسكندرية، وفى المرتين سقط ضحايا أبرياء، فى الأولى سبعة أشخاص، وفى الثانية زاد عددهم على عشرين شخصا.. لا يريد المجتمع أن يرى دماء وسط احتفالات المسيحيين بعيدهم، الذى هو مناسبة قومية، وعطلة رسمية للمصريين جميعا، وسط هذه الحالة من الترقب قام شاب قبطى - لا يزال فى سن المراهقة - بنشر رسوم مسيئة للإسلام فى صفحته على «فيس بوك»، ترتبت عليها مواجهات بين أهالى ثلاث قرى العدرا وبهيج وسلام بمحافظة أسيوط، بالطوب، ثم حرق منازل مملوكة لمسيحيين.. مشاهد تبدو متناقضة، لكن التفكير العميق فيها يحل الكثير من الألغاز.
دعونا نعترف بأمر أساسى، والاعتراف بداية الحل الصحيح للمشكلات، وهو أن المصريين لديهم مشكلة اسمها «مسلمين ومسيحيين»، التنشئة الخاطئة تجرى على الجانبين، ليست منذ شهور أو سنين، ولكن منذ عقود للأسف، الطرفان ضحية مشكلة لم يصنعاها بالمعنى الحرفى، ولكن صنعها نظام مبارك لكل منهما.. الذين قتلوا المصلين فى نجع حمادى «لم نكتشف بعد الجانى فى حادث الإسكندرية»، يحملون بطاقة هوية «مسلمين»، لكنهم لا يعبرون عن المسلمين، ولم يحملوا توكيلا منهم، وطالب المرحلة الثانوية القبطى «الأرعن» الذى نشر رسوما مسيئة للإسلام لا يعبر عن المسيحيين، وليس وكيلا عنهم، ولكن فى كل حادثة تقع ننسى «خصوصية الإثم»، ونتصور أن الطرف المسىء يمثل مجتمعه وجماعته الدينية ويعبر عنها، ومتحدثا باسمها، ومحققا غايتها العظمى.
نحن لا نعترف بحقيقة أن من يخطئ هو فرد، على كاهله يقع الخطأ، ويتحمل وزره، ولا شأن للآخرين به، ولماذا نتعامل مع كل الظواهر التى تحيط بنا على أنها من صنع أفراد، ثم نأتى فى المسائل المتعلقة بالدين وننظر إليها على أنها «تصرف جماعى»؟
إذا ارتبط شاب بفتاة - من نفس الدين - بعلاقة عاطفية نعتبرها شأنا فرديا أو عائليا، ولكن إذا اختلفت ديانة أحد الطرفين نعتبرها شأنا جماعيا، وإذا تشاجر تاجران من نفس الدين فهى مسألة خلاف تجارى، ولكن إذا اختلفت ديانة أحدهما تحولت إلى مواجهة دينية، إلى هذا الحد تمتلئ الذاكرة الجمعية للناس بمشاعر التعصب، والنظرة السلبية للآخرين والرغبة فى التكتل فى مواجهتهم!!
ما ذنب المسلم أو المسيحى الذى لا يسىء إلى الطرف الآخر؟ هل نحشره حشرا فى خلاف لمجرد أنه يشارك طرفا من أطراف الخلاف أو حتى الطرف المخطئ المعتقد الدينى نفسه؟
الإسلام يقول لا تزر وازرة وزر أخرى، والنظم القانونية تعرف الشخص القانونى «الفرد»، ولا تعرف ظاهرة العقاب الجماعى، فالقاعدة الشهيرة الحسنة تخص والسيئة تعم مبدأ فاسد من الأساس، فالحسنة والسيئة تخصان ولا تعمان.. المخطئ ينال عقابه لأنه يعبر عن نفسه، والمصيب ينال مكافأته لأنه يعبر عن نفسه، فلماذا نعتبر الشباب المسلم الذين يريدون أن يحموا الكنائس يعبرون عن أنفسهم ولا نعتبر من يسىء للمسيحيين يعبر عن نفسه أيضا؟ ولماذا ننظر إلى الطبيب العالمى مثل مجدى يعقوب الذى يداوى قلوب المصريين ويخدم بلده على أنه يعبر عن نفسه ولا ننظر إلى الشاب الصعيدى الذى أساء إلى الإسلام على أنه أيضا يعبر عن نفسه رغم أن كليهما يتشاركان فى المعتقد الدينى؟!
دعونا نتعامل مع الأمور دون تعميم مخل.
ليس كل المسلمين يسيئون للمسيحيين، وإذا أساء أحدهم أو نفر منهم يتحمل وزر فعله، ويرتد عليه إثمه، وليس كل المسيحيين يسيئون للمسلمين، فإذا أساء أحدهم أو نفر منهم يتحمل تبعات عمله.. إذا نظرنا للأمور من هذا المنطلق فسوف نضع الأحداث فى حجمها الطبيعى، ولن يعكر صفو علاقات المواطنين المسلمين والمسيحيين أحداث «فردية».
عدد الردود 0
بواسطة:
هادي الرياضي
ااه خلي بالك من اللي بيتنشر عندك ع الفيس بووك