قديمًا لاحظ سقراط فى إحدى محاضراته، أن كل تلاميذه قد سألوه وأجابهم إلا واحداً، فالتفت إليه سقراط وقاله له: تكلم حتى أراك، وكان الأمام أبو حنيفة جالساً ذات مرة يشرح لطلابه فى مجلسه، مرتكزًا على إحدى رجليه حتى أوجعته، فأراد أن يمدها، ولكنه منع نفسه من ذلك عندما رأى شخصاً صامتاً جالساً أمامه لم يعرفه من قبل تبدو عليه الهيبة، وفجأة سأله هذا الشخص، فكان سؤاله سخيفا فقال الامام: الآن يستطيع أبو حنيفة أن يمد رجله!.
للآسف تكلم الساسة ورجال الدين والعسكر والحكومة، فجاءت كلماتهم مثل الرجل الجالس أمام أبو حنيفة، حيث بدت أحاديثهم منزوعة الدسم خالية من الهموم التى يعيشها المصريون، بعيدة عن الآمال التى زرعتها الثورة المجيدة فى النفوس، لا تلامس الأحلام الكبيرة التى شغفت القلوب، ولا تتضمن حلول ومعالجات سريعة لمشاكلنا وإنقاذنا من البلطجية والقتل فى طوابير الغاز، وإنما جاءت كلماتهم وتصريحاتهم مهاترات سياسية معبرة عن أهواء شخصية ومصالح فئوية بعيدة عن أحلام وطموحات المصريين، فى الوقت الذى يبهر فيه الشعب المصرى العالم عندما يتكلم، فقد كان مشهد الثورة المصرية مصدر إلهام وإعجاب لكل الأمم، ومشهد الإقبال على الانتخابات تعبيراً عن آمال كثيرة، وطموحات كبيرة وتغيير للصورة القبيحة التى رسمها النظام البائد بأن الشعب المصرى لا يذهب للانتخابات وغير مؤهل للديمقراطية.
لقد أصبحت مصر تعيش فى زمن الكلام، فالجميع يتبارى فى قذف الآخرين وتسويق أفكار بالية ومغالطات كاذبة، وغدت وسائل الإعلام تعج بما يطلق عليه هوجة المحللين السياسيين، فهذا أستاذ فى التخطيط وذاك فى الاستراتيجيات، وذلك كبير الباحثين وغيره من المانشتات الكبيرة والألقاب الرنانة التى تفسح لها الفضائيات الباب واسعا، بالرغم من أن البعض منهم مزور والبعض الآخر لا يجد عملا بعد أن أصبح فاشلا فى كل شىء، ولم يعد أمامه سوى الكلام وفتحت له القنوات الشاشات - لحاجة فى نفس أصحابها- ليفرغ سمومه فى وجه الشعب. هؤلاء الجهابذة الذين طفحوا على المجتمع يفيضون علينا كل مساء كالجراد بما يعرفون وبما لا يعرفون، يتحدثون فى كل الموضوعات لا تفوتهم شاردة ولا واردة، يدعون أنهم يعرفون كل شىء علم اليقين، لا يتوانون عن الحديث فى أى موضوع، حتى أصبحوا مثل حلاق القرية فى سالف الزمان الذى كان يفتى فى كل شىء ويجيب عن أى شىء، بل يعمل طبيباً إذا اقتضت الضرورة وغيرها من المهن الأخرى إذا تطلب الأمر، لقد زادت تحليلاتهم من أوجاع مصر والأمة العربية التى باتت كالمريض بمرض عُضال، احتار الأطباء فى علاجه، فلجأ إلى السحرة فأغرقوه فى شر أعماله.
فقد جاءت أحاديث الساسة ورجال الدين معبرة عن الفئوية، وأحاديث العسكر والحكومة نابعة من ركام الديكتاتورية المتوارث عبر السنوات الماضية، متجاهلة خطط الإصلاح وطرق النهضة والبناء، مما جعل الشعب المصرى يقول كما قال الأمام ابو حنيفة الآن حان للشعب أن يمد رجليه فى وجه هؤلاء الفئويين والديكتاتوريين الذين حولوا الفسيفساء الجميلة التى رسمها الشعب المصرى فى ثورته المجيدة إلى لوحة رديئة مليئة بالمتناقضات والتشويش، فهل يعمل الشعب على عقاب هؤلاء بعدما تكلموا فظهروا على حقيقتهم وسقط القناع عنهم؟.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرية
عندك حق