د. بليغ حمدى

رُفِعَتْ الجَلْسَةُ

الجمعة، 27 يناير 2012 07:34 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أعلن الدكتور سعد الكتاتنى رئيس مجلس الشعب المنتخب رفع جلسات مجلس الشعب المنتخب أيضاً لمدة أسبوع كامل على أن يتم عقد أولى جلساته الثلاثاء المقبل إن شاء الله، وليس السبب فى تعليق الجلسات هو شعور النواب بالإرهاق نتيجة تواجدهم بقاعة المجلس لساعات طويلة ومناقشتهم لبعض الاستجوابات المهمة، لأن هذا لم يحدث من الأساس فلا رأينا استجوابات انتهت بقرارات بل طالعنا برقيات مرسلة للمجلس العسكرى، ولا رأينا جميع النواب جالسين طوال الجلسات فى مقاعدهم، بل كان هذا فى البهو الفرعونى يجرى اتصالاً هاتفياً، وآخر يجرى حواراً فضائياً مع إحدى المذيعات، وآخر يمسك هاتفه المحمول ويتحدث مع مجهول أثناء إلقاء وزير شئون مجلسى الشعب والشورى بيانه وكأنه من العهد البرلمانى السرورى نسبة إلى رئيس المجلس المخلوع أيضاً الدكتور فتحى سرور.

بل كانت الجلسات التى تابعناها جميعا عبر قنوات التليفزيون عبارة عن جلسات إجرائية إما لأداء القسم الدستورى الذى خرج عن مساره القانونى ولا أعرف دستورياً إن كان ما أحدثه بعض النواب من تعديلات حصرية للقسم يدخل فى بطلان القسم فلا يعد ذلك إذنا لهم بدخول عالم الحياة النيابية، والتمتع بالحصانة البرلمانية أم لا، أو لانتخاب رئيس جديد للمجلس وكذلك اختيار وانتخاب وكيلين جديدين للمجلس أيضاً، وتشكيل اللجان الفرعية التابعة للمجلس، أما اليوم التالى فكان عبارة عن استكمال لمسلسل المزايدة الوطنية للنيل من قتلة المصريين والتنديد بحق الشهداء والقصاص من قاتليهم، والعبارات والجمل ذات الطبيعة الثورية المختلطة بالدموع عن ذكريات الثورة المجيدة.

أى باختصار شديد لم يعلق المجلس جلساته لكثرة أعماله ومهامه فى اليومين الماضيين، والذى لا يزال فيه النواب يطالبون وهم لا يدركون أن طبيعة مهمتهم اليوم اختلفت عن السابق فهم مكلفون الآن بالتنفيذ لا المطالبة والعرض وربما بعض النواب يلجأ للشو الإعلامى وكم رأينا من بعض الظواهر التى لا تليق ببرلمان جاء بعد مخاض طويل ومرير مثل التجاوزات اللفظية والتلويح بالأيادى واستخدام الصوت المرتفع. وما يحدث داخل أروقة مجلس الشعب وبقاعاته التاريخية أو خارجها هذه الآونة، يشير إلى أنه توجد حالة خلل فى النظام السياسى وتباين واضح وجلى فى الرؤى السياسية والتوجهات الحزبية داخل هذا الكيان العريق، الذى بالضرورة لا بد وأن يتحد رأياً وفكراً لتحقيق عبارة الشعب الحصرية: الشعب يريد.

ولا تزال بعض المشاهد بذاكرتى والتى تعكس الصورة التى وصل إليها مجلس الشعب ونوابه فى السنوات الماضية، مثل هذا الذى رفع حذاءه بوجه زملائه، وذاك الذى لوح بقبضة يديه مشيراً إلى قوته ونفوذه وسطوته فى مواجهة المعارضين والمستقلين. فلقد صار أمر مجلس الوطن السابق ونوابه إلى هذا الحد البليغ من الإسفاف والتجاوز، بخلاف أننى وكثيرين ممن عاشوا على أرض هذا الوطن الجميل لم يروا دوراً واحداً حقيقياً لهؤلاء النواب السابقين.

لكنى أعتقد أن هذا المجلس أكثر ذكاء من سابقيه من المجالس المتعاقبة، فهو أقر فعلياً وعملياً بدور الشارع والميادين التاريخية التى شكلت وجه الوطن وواقعه، ولم تعد لأى قوة سياسية أو حزبية اليد الطولى فى تقرير مصير الوطن، بل جاء الدور على الشعب نفسه لتقرير مصيره واستشراف مستقبله السياسى والاجتماعى.

ولهذا استفسر كثير من المحللين حول أمر هذا التعليق، وهم بذلك يتغافلون مليونات التحرير وغيرها من المليونات الميدانية القادرة وحدها على توجيه دفة ومجريات الأحداث فى مصر المحروسة بعيداً عن التوجهات الورقية والنظرية للمجلس الاستشارى مثلاً، وبعيداً أيضاً عن الصراعات الحزبية والمذهبية الموجودة حالياً بالبرلمان رغم الإجادة المبدئية للدكتور الكتاتنى فى إدارة مناقشات البرلمان، بالرغم أيضاً من أن البرلمان لم يشهد حتى الآن أية مناقشات برلمانية جادة اللهم سوى الحديث عن حقوق الثوار والمصابين وشهداء الثورة.

وكل ما أتمناه من الثائرين بالميدان وأصحاب المنصات أن يقدموا مطالب حقيقية لرفعة هذه البلاد بدلاً من مجرد التنديد والعويل والتهويل والاهتمام بالحقوق الفئوية فلحظتهم التاريخية قد أتت بتشكيل برلمان نيابى منتخب دون تزوير أو تزييف لإرادة الشعب، فعليهم أن ينقلوا طلبات هذه الأمة لنوابهم وعليهم بعد ذلك الانتظار والمراقبة وتعرف تحقق مطالبهم على الوجه المقصود.

أما البرلمانيون وهم يستشرفون ويستقبلون حياة برلمانية جديدة فالأمر بدا مختلفاً عن سابقه، فالشعب الذى لم يتردد لحظة فى إسقاط نظام سياسى فاسد ولم يكترث برؤية حاكمه داخل قفص الاتهام، لن تعنيه مسألة الحصانة البرلمانية لنوابه ما لم يستطيعوا تنفيذ مطالبهم الشرعية، ولن تعنيهم المناقشات والمساجلات الحزبية بين الأعضاء فهم يريدون ويطمحون ويأملون فى مستقبل زاهر.

لا يعنى هذا الشعب تشكيل لجان البرلمان، ولا يعنيه من يكون على رأس كل لجنة إن كان إخوانياً أم سلفياً أم ليبرالياً أم من الأقباط، المهم عندهم هم رؤية الشاطئ الآخر الذى طالت رؤيته بعد عقود من القمع والحجب المباركى نسبة إلى نظام مبارك، وإلى أن يعى النواب جيداً درس الشعب النافذ، وإلى أن يدرك الشعب نفسه أن الأمر تخطى مجرد التظاهر والتنديد، نحن مرتقبون، والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة