كنت أحد الشهود المجهولين على أيام ثورة 25 يناير، ضمن ملايين حضروا وشاركوا، ثم عادوا إلى بيوتهم وأعمالهم حاملين معانى وخبرات ومشاعر، غيرت حياتهم بقدر ما تغيرت بها مصر، وفى هذه الأيام التى تعيد إلى الأذهان الذكرى العطرة، أجد أن علىّ إعادة تذكير نفسى بما قلته وكتبته لتطوير العمل الثورى، حتى لا يبقى من الثورة مجرد الاعتصام فى ميدان، أو المطالبة برحيل فلان أو علان، لأن الفعل الخارق المضىء الذى دفع الشهداء والمصابون دماءهم وجراحهم وآلامهم ثمنا له، عندما يتكرر يبهت، ويصبح آلية وطريقة، وليس فعلا مؤثرا، ولذلك لا أحب تعبير «الثورة الثانية» التى يكثر استخدامها هذه الأيام.
ربما يكون كلامى ثقيلا على مسامع وأذهان تعمل فى اتجاه واحد، هو اتجاه المزايدة والخوف من أن تحسب على الفلول، أو العباسية، أو رجال العسكرى، لكنى والحمد لله ليس عندى غير كلمة أقولها لوجه هذا الوطن، وأبدؤها بأننا جميعا أخطأنا، كل السياسيين والإعلاميين والوجهاء الذين ينتقلون من فضائية لأخرى، وهم يزايدون ويعلنون أنهم ثوار أكثر من الشهداء أنفسهم، دون أن يقولوا كلمة واحدة عن تطوير الأداء الثورى، بحيث يكون آلية للعمل المنظم، يخدم الدولة ومؤسساتها.
كانت ثورة 25 يناير هى فى جوهرها انتفاضة، ضد اليأس والركود الذى غرقت فيه الحياة والمجتمع والمصريون، ثورة نقية لاستعادة الأمل والضمير والفعل والتأثير، خرج فيها الناس بمختلف فئاتهم، ليسقطوا الشرعية عن حكم ونظام فاسدين، لكن ماذا بعد الإطاحة بمبارك؟
هذا هو السؤال الصعب الذى يقتضى منا التفكير فى خلق كيانات دائمة، تتواءم مع القانون، وتمتلك القدرة على المحاسبة والرقابة على السياسات والأداء الحكومى، وحتى يتحقق الحلم بتغيير نظام مبارك من الجذور
نعم هناك أحزاب وكيانات وائتلافات تشكلت بعد نجاح الثورة، تضم وجوها معروفة من الشباب والكتاب والفنانين والسياسيين، وهذا مطلوب بشدة، لكن ماذا عن طاقات الملايين الذين كانوا الكتلة الهادرة فى الميادين؟ ألم يلتفت أحد إلى أن هذه الكتلة المتماسكة، تفتت بعد نجاح الثورة إلى عشرات من الاعتصامات والاحتجاجات الفئوية، دون ضوابط، ودون عقل ينظمها، ويعرض مطالبها، كما شهدت هذه الاحتجاجات تجاوزات وأحيانا جرائم؟
لنفكر معا..
وللحديث بقية