> بين شهداء ثورة المصريين استوقفنا اسم الشهيد عماد عفت.. فضيلة الشيخ عماد عفت، الذى أصابته رصاصة قاتلة فى أحداث مجلس الوزراء. فى اليوم الثانى لاستشهاده كنت مشاركاً فى لقاء بمكتب فضيلة الأمام الأكبر مع مجموعة من المثقفين وعدد من كبار العلماء، ورحنا نستفسر منهم عما يعرفونه عن الشيخ الشهيد، وأنه فى نهاية لقائنا يجب أن يصدر بيان أو كلمة حول استشهاده الذى يعنى أن القتلة لا يتورعون عن فعل أى شىء، وزدت أنا بالقول إن عهد مبارك كان يمكن أن يتردد فى قتل شيخ جليل على هذا النحو، فانبرى أحد كبار المشايخ ليرد.. وما الذى جعله يذهب إلى هناك.. وما الذى.. وما الذى..؟ فرد أحد المشايخ بالقول إن الشيخ عماد كان يمر من هناك بالمصادفة وحدث ما حدث، ومن ثم فإن الأمر لم يكن مقصوداً ولا متعمداً.. قتل عالم من علماء الأزهر.
الكلام استفز الكثيرين منا، ويحضرنى انفعال سمير مرقص، وكان مشاركاً فى اللقاء - الذى أبدى دهشته من أن يتم الحديث بهذه الطريقة عن فضيلة الشيخ الشهيد، وقال: الشيخ عماد وجه نقى من وجوه مصر، وكان مشاركاً فى الثورة من أيامها الأولى.. وجهاً بارزاً فى ميدان التحرير ومناضلاً حقيقيا من مناضلى الثورة.
> عندى الأمر يختلف قليلا، فقد التقيت الشيخ عماد مرتين فى ميدان التحرير، أيام الثورة وكان وجوده هو وصحبة من أصحاب العمائم فى الميدان مؤشرا واضحا على أننا فى ثورة وأن هذه الثورة سوف تنجح. تاريخياً كان علماء الأزهر الكبار لا يشاركون فى الثورات، وأحياناً لا يحبدونها.. فى ثورة 1919 لم يكن شيخ الأزهر مستريحا لها ولا مرحبا بها. فى ثورتى القاهرة الأولى زمن حملة نابليون نصح الشيوخ الكبار الأهالى بعدم الخروج على نابليون وكليبر من بعده، ويحدثنا الجبرتى عن أن الأهالى أسمعوا الشيخ الشرقاوى- شيخ الأزهر- وكبار المشايخ قبيح الكلام، وأنهم هموا بضربهم أثناء الثورة الثانية، حين طلب إليهم الشرقاوى الوصول إلى تفاهم مع «كليبر» لكن المجاورين، أى طلاب الأزهر، وكذلك رجال الأزهر، من علماء الصف الثانى، إن صحت التسمية، كانوا هم الذين يقودون الثورة ويحركونها، بل إن ثورة القاهرة الأولى جرى التخطيط لها بالكامل داخل أروقة الأزهر، ما دفع نابليون إلى اقتحام الجامع بخيوله، مرتكباً جريمة مازال عارها يلاحق اسمه إلى اليوم.
فى ثورة 25 يناير كنت أستحضر هذه المعانى كلها، وأنا أرى الشيخ عماد وغيره من الشيوخ الذين دخلوا الميدان، وكنت أستحضره كذلك، وأنا أستمع إلى صفاء صوت الشيخ مظهر بالدعاء فى صلاة الجمعة بالميدان أثناء الثورة.. وجاء استشهاد الشيخ عماد ليؤكد ذلك كله. لم يكن الشيخ عماد يحمل سلاحاً ولا داعية عنف، ولا انضوى يوماً فى تنظيم سرى، رجل يصلى ويكدح ليعول أسرته، ولا ينسى أبداً دوره كمواطن ويدرك، عملاً وفعلاً، المقولة الإسلامية العظيمة إن أفضل الجهاد عند الله كلمة حق أمام سلطان جائر.. وهو التزم بهذه القاعدة فخرج إلى الميدان ليهتف بكلمة الحق. كان يمكن للشيخ عماد أن يتقوقع خلف وظيفته وموقعه، وهو موقع مرموق، ولم يكن أحد ليحاسبه ولا ليؤاخذه لو فعل ذلك، هو فى موقعه ودوره فى الفتوى أن يبين للناس الحق من الباطل، ويوضح لهم ما استشكل عليهم فهمه فى تعاملهم الدينى مع الحياة، وهو من هذا الموقع يرى ويحتك بالمواطنين من مختلف الفئات، وعلى الأغلب من المهمشين، والفقراء، لذا فإن مشاركته فى الثورة وانطلاقه إلى الميدان لم يكن بعيدا عن عمله، ولا عن علمه وفقهه، هو رجل اتسق مع نفسه ومع علمه وفقهه، ورضى بالحفاظ على استقامته، أيا كانت النهاية، والنهاية لا تكون غير الخير والنجاح، سواء تحقق له ما يريد أو استشهد دونه، وقد فاز بالثانية ليلقى وجه الله على كلمة الحق وقول الحق فى وجه سلطة وسلطان جائر.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة