فاطمة ناعوت

بتسألوا عن إيه؟.. رسالة إلى البرلمان «المنتخَب»

الثلاثاء، 31 يناير 2012 03:39 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قبل شهر، اتصلت السيدة «سهير» من محافظة الدقهلية بقناة «الحكمة» الإسلامية تسأل الإعلام المشغول «جدًّا» بأسئلة «خايبة» حول المايوهات على الشواطئ والخمور فى الفنادق، كأنما محور حياة جموع الشعب المصرى أصبح وقفًا على «الكحوليات»، بينما الواقع يعكس غياب مياه الشرب عن العشوائيات التى تحتل كل مدن مصر، وعلى «المايوه»، بينما أطفال الشوارع عراةٌ حفاة لا يجدون ما يقيهم أنياب البرد والجوع!!!
قالت الحاجة سهير: «أنا من الفلاحين ونفسى أسالكم انتوا بتسألوا على إيه؟ تعالوا شوفوا الشباب اللى بيعانى المُرّ عشان يروح الجامعة بخمس مواصلات، وبيأخذ مصروفه من أبوه اللى واقف طول النهار يبص على «البحر» يشوف المية جات ولاّ لأ علشان يروى الأرض.

ولاّ الست الغلبانة اللى مش بتلاقى تأكّل ولادها. ولاّ الأرملة اللى مش لاقية حد يطلّ عليها. ولاّ اللى مش لاقيين أوضة تلمهم. ولاّ اللى مش لاقيين حاجة يتغطوا بيها! ده مش خيال! أنا مستورة مش معدمة الحمد لله، لكن شايفة الناس اللى حواليّه عايشين ازاى. بقول لكم انتوا بتسألوا على إيه؟! تعالوا شوفوا وبعدين اسألوا. فكرتوا تسألوا عن الزبالة اللى مالية الشوارع؟ تسألوا على البحر «النيل» اللى متلوث؟ بتسألوا على إيه؟ مشغولين بالهانم اللى لابسة مايوه وماسكة الكاس فى إيدها! هى ديه مصر؟! بيمثلوا كم فى المائة فى الثمانين مليون الناس دول؟! بكل قوتى بقول لكم بتسألوا على إيه؟! بتسألوا عن الشاب اللى مش قادر يتجوز؟! بتسألوا على البنات العوانس اللى ماليين البلد؟! بتسألوا على إيه ولاّ إيه ولاّ إيه؟! شوفوا الشعب وشوفوا الناس. تعالوا اسألوا على مصر. مش تسألوا على قِلّة نايمين على الشواطئ وماسكين الخمر فى إديهم!» وبعدما أنهت السيدة سهير كلامها، قال المذيع: «الناس الفقيرة المعدمة اللى بتروح الانتخابات وتعطى صوتها للإسلاميين وهما خارجين بيقولوا لنا إحنا عملنا اللى علينا، الدور عليكم، عارفين إنها أمانة وحمل ثقيل وربنا يعيننا».

والآن، نوجه كلامنا لأعضاء البرلمان «المنتخَب». للإسلاميين أصحاب «الحمل الثقيل»، الذين «اقتنصوا» أغلبية أصواتنا، نحن الشعب المصرى، مع كامل تحفظنا على كل الخروقات الأخلاقية والقانونية التى حدثت فى الانتخابات، والتزوير الفادح بنوعيه: الحَرفىّ، والفكرى. الحَرفىّ، كما عرفناه جميعًا من أيام الحزب الوطنى «9 ملايين صوت تم تزويرها أو إبطالها». والفكرى المعنوى بالتلويح للناخبين بكارت الدين. كارت: «رضا الله»، للترغيب فى انتخاب فصيل بعينه، وكارت: «غضب الله»، للترهيب من اختيار فصيل آخر! لكن، على كل حال، أصبح لدينا برلمان رسمى «منتخَب» ننتظر منه الكثير.

هل نطمع فى إنشاء لجنة اسمها: «لجنة الإنسانية»؟ نرجو من صانعى التشريع أن يلتزموا «الخط الإنسانى» لا الخطَّ العنصرى أو المنفعى، أن يطرحوا جانبًا كل المنافع السياسية البرجماتية وينظروا للمجتمع المصرى نظرة «إنسانية» عادلة، انظروا لأطفال الشوارع الذين يجوبون الطرقات يقتاتون من القمامة، وينامون تحت الكبارى، يكبرون ويتناسلون لينتجوا بدورهم أطفالَ شوارع جددًا سوف يصبحون غدًا بلطجية وخارجين عن القانون. هم يخرجون عن القانون، لأن القانون لم يُنقذهم من الشظف وانعدام الكرامة والآدمية. لن تنقذهم إلا «الإنسانية».

قبل أن تشغلوا أنفسكم والرأى العام بتطبيق حدّ السرقة على اللصوص وتقطيع الأيادى والأرجل من خلاف، اخرجوا أولئك اللصوص من تحت خط الفقر، فتكسب مصر مواطنين شرفاء، وتخسر لصوصًا محتملين، وقبل أن ترجموا البغايا والزناة، أصلحوا التعليم واجعلوه إلزاميًّا «بحق وحقيق»، لأنه وحده الذى سيقضى على البغاء والبلطجة وكافة الانحرافات السلوكية، أو على الأقل سيحدّ منها حتى تكاد تنحسر. كفاكم إشغالا لنا ولأنفسكم بقشور شكلية ليست من الإسلام فى شىء، ارحمونا من الكلام حول النقاب واللحية وزبيبة الصلاة وحُرمة التماثيل والتصاوير ودخول الحمام باليمنى وحرمة تناول الطعام باليسرى، تلك الأمور التى يأبى ويترفّع ويتعالى صحيحُ الدين عن الكلام عنها. نقّبوا عن جوهر الإسلام الذى جعل الفاروق عمر بن الخطاب يقول: «واللهِ لو أن شاةً عثرت على ضفاف دجلة لخشيتُ أن أُسأل عنها يوم القيامة». ونحن لا نطالبكم بالحُنوّ على شياه العراق، ولا حتى على شياه مصر، بل على عباد الله من البشر المُعسرين فى مصر. لا نحتاج إلا قانون الحب والإنسانية والعدالة والمساواة. لأن ما بمصر من موارد تكفى لأن يعيش المصريون جميعًا حياة كريمة، لكنها الأنانية التى تجعل منّا فاحشى الثراء ومُعدمى الفقر. وما فى قلوب المصريين من حبٍّ ورُقى ونقاء يكفى لأن يقضى على كل فتن طائفية تفتُّ فى نسغ الوطن منذ عقود خلت، لم نعرفها إلا مع الغزو الوهابى لمصر. أيها المجلس البرلمانى الموقر، أحبّوا مصرَ لكى تحبّكم مصرُ، والمصريون.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة