الملايين الذين خرجوا يهتفون بأن الشعب يريد إسقاط النظام فى 25 يناير 2011، كثير منهم من المحرومين الباحثين عن حقوقهم الأولية، وكثير منهم مقهورون مقموعون باحثون عن وجودهم وذواتهم، وكثير منهم فقراء مع سبق الإصرار والترصد، أى جرى إفقارهم دون وجه من الحق أو العدل، وهؤلاء يبحثون عن الكفاف والرزق الحلال بغضب وحماس، وكثير منهم مرضى مع سبق الإصرار والترصد، ويبحثون عن العلاج والدواء، وهو حق طبيعى لهم مُنعوا منه بدافع الفساد والإفساد وهم يبحثون عنه بغضب وحماس، وكثير منهم عاطلون عن العمل بفعل السياسات المجرمة والعميلة والفاشلة التى أدت إلى بطالة عمال وفنيين وهم مازالوا فى أوج عطائهم بدعوى الإصلاح الاقتصادى، أو منع فرص العمل عن غيرهم من الشباب المتعلم الذى لا يجد إلا عملا عشوائيا لا يتناسب مع ما تعلمه، وهم يبحثون عن حقوقهم بغضب وحماس.
وهذه الفئات والنماذج الغاضبة المتحمسة التى كانت وقود الثورة وقلبها النابض، تملك فائضا هائلا من الطاقة والخبرات المعطلة وغير المستغلة، فكيف تتحول الفئات إلى قوة دفع لمشروعات منتجة وفاعلة تغير وجه مصر إلى الأفضل؟ وكيف تتحول الثورة إلى مجموعة من الآليات والأطر الدائمة فى خطوة أبعد من الاعتصام فى ميدان التحرير وغيره من الميادين دون إسقاط خيار الاعتصام المليونى كلما اقتضت الحاجة فعليا لتقويم السلطة المفوضة بتنفيذ أجندة الشعب المصرى؟
كيف تبنى الثورة خطابها، بحيث لا تكون رد فعل على حالة الاستقطاب السياسى التى خلقها نظام مبارك ومازالت قائمة حتى الآن، وحتى لا تكون رد فعل سياسيا انتقاميا، أو تتمترس فى المربع رقم واحد أى ميادين الاعتصام؟
كيف تتحصن القوة الغالبة للثورة من أخطاء الحكم الشمولى السابق، بحيث لا تتبنى آليات الاستبعاد الطائفى أو المذهبى أو السياسى، ولا تلجأ لوصم المختلفين مع خطابها حال تشكله وتخوينهم ونزع المصرية عنهم، وصولا إلى اعتقالهم أو نفيهم، إذا تقلدت السلطة؟
كيف يتم نشر الوعى بين الملايين الذين التفوا حول الثورة وأسهموا فى إنجاحها، بأن الغضب الشعبى يمكن أن يحمل الأمل فى الغد، لكنه قد ينحرف إلى الفوضى والحرب الأهلية إذا لم يكن له عقل يفكر فى المستقبل ويحسب حساب الأرباح والخسائر فى كل خطوة؟