أيمن عبوشى

عالم الثورة الافتراضى: للحرية الحمراء أبوابٌ كثيرة تُدق

السبت، 07 يناير 2012 10:08 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
(أراد البعض أن يضفى هالة الأيقونة على الربيع العربى، وروّج لمقولة إنه وُلد من رحم فيس بوك.. فكان أن ظلت الثورات حبيسة عوالمها الافتراضية).
عندما ثارت شعوب عربية لكرامتها التى أهدرتها أنظمة استخفت بها، لم تفكر فى الديمقراطية كهدف مشروع لها، بل كانت ملازمة لبساطة المنطق الذى يقول بضرورة إنهاء الديكتاتورية ليس أكثر، وظل همّ المواطن العربى بعد ذلك يراوح مكانه فى محيط دائرة لقمة العيش، وعدم التفريط بمكتسبات ثورته الباهظة التى لا تأتى كل يوم بمثل هذا الزخم.. دون أن يدرك هذا المواطن الذى يعانى عوز المعرفة قبل الفقر، أن الطريق إلى الجحيم معبد بالنوايا الحسنة.
وواجه الشارع العربى بعد انتفاضته استحقاقاً ديمقراطيا ولّد معضلة ذات شقين؛ يكمن الأول فى فهم مفردات العملية السياسية الجديدة، ومركباتها الفلسفية الشائكة، واكسسواراتها المكملة؛ فضلا عن تعقيدات المقاربة لدستور يكفل عدم الرجوع إلى المربع الأول.
أما الشق الثانى، فيتمثل فى تطبيق ذلك كله. وبين هاتين المعضلتين، يجد الإنسان العربى نفسه فى خضم جدل عقيم، أكبر بكثير من سهولة استيعاب أسباب الثورة نفسها، لتنتقل الحالة من لائحة المطالب الطويلة التى دفعت بالجماهير إلى الميادين العامة، والتى تلخصت أخيرًا بالعبارة التاريخية (الشعب يريد إسقاط النظام)، إلى وجهات نظر تعبر عن فئات متباينة لا تصل إلى حد الإجماع على الشكل النهائى للنظام الجديد.. جدل باتت تضبطه وتتحكم فى مداخلاته، الفضائيات وظلالها على مواقع الإنترنت، وتعدد الآراء الذى لم يستوعب بعد الحقيقة كاملة، ويقع فريسة سهلة لمعركة الشد والجذب التى تخوضها بؤر داخلية وخارجية انقضت بشراسة على ركام النظام البائد.

وفى عباب هذه الفوضى، يسهل جدًا تمرير العقد فى سياق المنطق الذى ما إن يستقر فى فهم واضح يحصد الأغلبية، حتى ينفتح الباب واسعا على شبهات تعيد صيغة التفاهم إلى نقطة الصفر.. عملية لا تنتهى من جدل بيزنطى، لا تعكس بالضرورة الصورة المثالية التى وضعها شباب الثورة أيقونات جميلة على جداريات فيس بوك، دون أن يدركوا لوهلة أن عوالمهم الافتراضية التى أثمرت عن الوقوف بشجاعة فى وجه ديكتاتورية مخضرمة، ليست أكثر من يوتوبيا حالمة، لن تصل بهم إلى البيئة الخصبة للربيع العربى بصورته الخضراء الناصعة.
والحرص الزائد من قبل بعض الأطراف على إتقان نظام ديمقراطى محصن، قد أغفل الشريحة الأوسع من المجتمع فى دائرة لقمة العيش البسيطة، والتى يصعب عليها استيعاب مفردات نظام لا تنتهى تفاصيله، لا سيما إذا أردنا أن نصطحب معنا أهواء ومخاوف الجميع دون استثناء.
نقلت هذه الأضداد العملية الديمقراطية من مجرد حلم عصى لم يكن بالإمكان الوصول إليه بالأمس، إلى كابوس يشرع الأبواب على كل الاحتمالات، ويدفع الكثيرين إلى التفكير مرتين قبل خوض تجربة تكفل هذا الكم من حرية الاختيار، وسط كل تلك الرغبات الملحة والمتناقضة فى آن معا.

أما الشق الثانى من المعضلة والذى يشكل مفاجأة من العيار الثقيل، سوف تظهر ملامحها فى تأثير مناخ الليبرالية السياسية المفترض فى الثوابت الثقافية، والنسيج الدينى، فى نقيض لدورة التطور التى مرت بها الديمقراطية فى أوروبا حين فرت من الدين، وليس العكس.. لنجد أن القنبلة الموقوتة مخبأة فى محاولاتنا الدءوبة للتوفيق القسرى بين الديمقراطية الطارئة، والمجتمع التقليدى، مع الإبقاء على ظاهرة الإسلاموفوبيا، وعدم الاجتهاد فى ابتكار صيغة وطنية توفر الضمانات لاستمرار نظام تداول سلطة وعدالة اجتماعية بمفاهيم بسيطة يستطيع الشارع إلحاقها فى دائرته الضيقة، جنبا إلى جنب مع سعر الخبز، ورسوم المدارس، وتكاليف العلاج.. وغيرها من همومه اليومية.
*كاتب وروائى أردنى.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة