فى نهاية العام الأول لثورتنا يبدو الحصاد هزيلاً مقارنة بتطلعات الشعب وتضحياته، فنظام المخلوع لم يسقط وإنما تغيرت فقط الرؤوس وبقيت السياسات والأفكار وكثير من رجال مبارك الذين شاركوه الحكم والفساد. ومن ضمن ما بقى ولم يتغير زواج رأس المال بالسياسة والإعلام. هذه العلاقة الشاذة ليس لها مثيل فى العالم، فلا قوانين تنظم ملكية القنوات التليفزيونية، أو تبرع رجال الأعمال للأحزاب، أو قبول أموال من الخارج، ولا توجد هيئة للمراقبة والتدقيق. كما لا توجد قواعد تنظم مشاركة رجال الأعمال فى الحياة السياسية، من هنا ظهر فى عصر المخلوع رجال أعمال فى الحكومة والمعارضة، بعضهم يمتلك ويدير أحزابًا وصحفًا وفضائيات. وتولى عدد من رجال الأعمال وزارات مهمة تختص بالرقابة والإشراف على شركات وأنشطة يمتلكها الوزير وأسرته!!
فى هذا المناخ كان من الطبيعى أن يلتحق كثير من رجال الأعمال بالحزب الوطنى دفاعًا عن مصالحهم، وأن ينفقوا ببذخ أسطورى فى انتخابات البرلمان بغرفتيه أملاً فى الحصول على الحصانة البرلمانية والتى كانت تترجم إلى تسهيلات وأراضٍ وامتيازات رمزية ومادية. هكذا اكتملت لدينا ظاهرة رجل الأعمال السياسى - نموذج عز - الذى يمارس أنشطة تجارية وصناعية أو يحتكر نشاطًا محددًا، ويتولى فى الوقت نفسه منصبًا قياديّا فى الحزب الوطنى أو منصبًا وزاريّا أو يكتفى بعضوية البرلمان. وقد ظهرت بعض الأسماء جمعت بين منصبين أو أكثر إضافة لامتلاك قناة أو صحيفة!!
كان يقال إن رجل الأعمال مواطن قبل كل شىء ومن حقه ممارسة السياسة، وهذا صحيح تمامًا لكنه مواطن مسلح بالمال والنفوذ، لذلك فإن ممارسته لحقوقه السياسية يجب أن تتم فى إطار قواعد وقيود تخضع للتدقيق والمحاسبة من طرف هيئة مستقلة تحدد سقفًا أعلى للتبرعات الحزبية وللإنفاق على الدعاية الانتخابية. والأهم مراقبة هل يستغل موقعه السياسى فى الحكم أو المعارضة لتحقيق مكاسب لشركاته؟
كل الدول الديمقراطية لديها قوانين صارمة تضع قواعد للتبرعات الحزبية والحملات الانتخابية، ولتملك وسائل الإعلام، لذلك قلة نادرة من رجال الأعمال هى التى تصل إلى البرلمان أو تتولى الوزارة، ومعظم رجال الأعمال يفضلون ممارسة حقوقهم السياسية بل وتأثيرهم المالى والدفاع عن مصالحهم من بعيد، وعبر صيغ غير مباشرة، عوضًا عن التدخل الفج والمباشر الذى يمارسه فى مصر كثير من رجال الأعمال فى السياسة والإعلام.
أستخدم هنا الفعل المضارع لأن ثورتنا للأسف لم تضع حدّا للزاوج المحرم بين رجال الأعمال والسياسة والإعلام، بل على العكس اتسع نطاق هذا الزواج واتخذ أشكالاً جديدة، فبعض رجال الأعمال من المحسوبين على المعارضة زمن المخلوع حققوا مكاسب سياسية وإعلامية باسم الثورة، وكل ما تغير أن بعض رجال الأعمال قد غابوا عن المشهد، وظهرت شخصيات جديدة بعضها يقدم خطابًا ثوريّا أو يبشر بنظام إسلامى غير واضح المعالم، أو يدعو لليبرالية لا تخلو من نزعة طائفية، والمفارقة أن بعضهم أعلن أنه أنفق من أمواله على الثورة والثوار!! كما أن الشواهد لا تعد ولا تحصى على عشرات الملايين التى أنفقها عدد محدود من رجال الأعمال فى الدعاية الانتخابية لأحزابهم، ومع ذلك لم تتخذ لجنة الانتخابات أى إجراءات لوقف هذه التجاوزات.
لا بديل إذن عن قيام برلمان الثورة بوضع نهاية للعلاقة الشاذة والمنفلتة بين رجال الأعمال - والتمويل الخارجى أيضًا - والعمل السياسى والإعلامى، من خلال وضع قوانين منظمة وضابطة لعلاقة رأس المال بالإعلام، ورأس المال بالأحزاب، تشمل تحديد سقف أعلى لا يمكن تجاوزه للتبرع للأحزاب أو الإنفاق فى الانتخابات وكذلك حد أقصى لنسبة تملك القنوات، مع انتخاب هيئة مستقلة لمتابعة تنفيذ هذه القوانين وضمان شفافية التمويل خاصة التمويل العربى والأجنبى، وأتمنى أن تصدر هذه القوانين قبل انتخابات الرئيس.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة