الأمس غير القريب فى عام 34 هجريا تآمر المنافق عبدالله بن سبأ اليهودى الأصل وأثار الفتنة حول حكم عثمان بن عفان وقُتل فيها عثمان، ولم تنته الفتنة، بل كان مقتل عثمان بدايتها.. فلم يكن هدف الفتنة عثمان، بل الأمة الفتية الجديدة.
وبصرف النظر عن موضوع رفض البعض لحكم عثمان أو تأييد البعض فإن الفتنة استمرت حول الشخص نفسه حتى بعد موته فاختلق المنافقون قضية وهمية انقسموا بسببها إلى فريقين، فريق يطالب الخليفة «على بن أبى طالب» بالقصاص من قتلة عثمان، وفريق يرى تأجيل القصاص إلى أن تستقر الأمور بالدولة الإسلامية.. الأول كان يتزعمه معاوية بن أبى سفيان ذو النزعة العسكرية المغامرة، والثانى كان يتزعمه على بن أبى طالب ذو النزعة العقلانية السياسية.. المهم أن أصابع كثيرة تشير إلى وجود المنافق عبدالله بن سبأ وراء فتنة القصاص رغم أنه المتهم الأول فى مقتل عثمان ولا يعنيه القصاص من قتلته، وإنما هدفه الفتنة ذاتها بين أبناء الدولة الصاعدة الجديدة التى أصبحت فتوحاتها تهدد إمبراطوريات كبرى.
تصاعدت الفتنة، وما بين موقعتى الجمل «36 هـ» وصفين «37هـ»، سالت دماء الكثير من المسلمين وسقط اثنان من المبشرين بالجنة ومن كبار قيادات الدولة الجديدة وخيرة صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم طلحة بن عبيدالله، والزبير بن العوام، واستمرت الفتنة حتى بعد لجوء الطرفين للتحكيم ليظهر الخوارج كطرف ثالث ويقتلوا عليا كما قتلت نفس الفتنة من قبل عثمان بن عفان.
الشاهد أن مثيرى الفتنة لم يكن يهمهم لا قتل عثمان ولا حياة على ولا القصاص من القتلة، وإنما المقصد هو الفتنة عينها، والهدف هو القضاء على الدولة الفتية الجديدة وإيقاف صعودها الذى يشكل خطرا على إمبراطوريات كبرى ومصالح اليهود التى ينتمى إليها مثير الفتنة عبدالله بن سبأ.
اليوم.. ذهب مبارك بكل المساوئ والأضرار التى جلبها لمصر هو ونظامه ورجاله.. وأثناء عمليه خلعه ونظامه سالت دماء شريفة كثيرة وصعدت أرواح شباب واعد إلى السماء من أجل تراب مصر، ومن داخل انفعال وآلام المصريين وحزنهم على الشهداء خرجت فتنة تدار بكل براعة وكأن ابن سبأ مازال يعيش بيننا.
أصوات تنادى بالقصاص للشهداء ولا تعرف هدفا غيره، وأصوات قلقة لتوقف التنمية وانهيار الاستقرار الاقتصادى عمدا أو بغير عمد، وتطالب بتغليب موضوعات التنمية والاستقرار على القصاص الذى يرونه حتميا فى مرحلة لاحقة، وبين الفريقين يقف منافقو اليوم يشعلون الفتنة بين المعسكرين ويزكوا وجهتى النظر بالقول والفعل والمكائد والإثارة المتعمدة لمشاعر المصريين وأهالى الشهداء حتى لا تقوم قائمة لمصر وتستمر مقدرات المصريين واقتصادهم وقوت يومهم فى الأيدى نفسها التى ثاروا عليها بالأمس.
النهوض بمصر ودعم استقرارها الاقتصادى والقضاء على البطالة والجوع هم أول خطوات القصاص الفعلى وقطع رأس فتنة أحفاد ابن سبأ.. قتلة الشهداء سيظلون أحياء، بل يمكن أن يعودوا للحكم مرة أخرى لو لم نتمكن من إعادة الاستقرار والنهوض بالتنمية واسترداد أموالنا المنهوبة وإنقاذ شبابنا وأطفالنا من براثن البطالة والجوع والتشرد فى الشوارع.. ابحثوا عمن لهم المصلحة فى الفتنة الجديدة.