أكتب هذا المقال قبل الإعلان النهائى عن نتائج المرحلة الثالثة فى الانتخابات البرلمانية التى جرت مؤخراً، والتى لا أظن أنها ستختلف بأى حال من الأحوال عن نتائج المرحلتين الأولى والثانية من حيث تفوق حزبى الحرية والعدالة والنور، يليهما الكتلة المصرية وحزب الوفد، وفى ظل النظرات المختلفة لنتائج الانتخابات بين الأمل والإحباط، وبين التفاؤل والتشاؤم نحتاج إلى وقفة جادة لقراءة المشهد الانتخابى قراءة تحاول مصاحبة الموضوعية ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.. شخصيا لست من المندهشين كثيرا بالنتائج الانتخابية، انطلاقا من مبدأ أرسطو من حيث إن المقدمات تنبئ بالنتائج، حيث إن النتائج تعكس واقع الحياة المجتمعية المصرية بشكل كبير، وكما تعكس- وبقوة- تراكمات عصر مبارك المعيبة التى تتحمل جزءا ليس بهين من تلك النتائج، فاحتلال جماعة الإخوان المسلمين ممثلة فى جناحها السياسى حزب الحرية والعدالة للمركز الأول نتيجة طبيعية لعدة عوامل أهمها أنها الفصيل السياسى المعارض الأقوى فى عصر مبارك الذى شارك فى كل الانتخابات البرلمانية فى ذلك العصر مما أكسبها خبرات لا يضاهيها أحد إلى فلول الوطنى الذين تم عزلهم شعبيا عن جدارة واستحقاق، أضف إلى ذلك العنت والظلم الذى لاقوه فى عصر مبارك، فأى مطّلع على تاريخ أى قيادى إخوانى يكتشف أنه مكث فى المعتقل أو السجن ما يعادل عدد سنوات التعليم الأساسى فى مصر، بالإضافة إلى الميراث الكبير للجماعة فى الشارع المصرى من خدمات مجتمعية فى مجالات العلاج والتعليم، وصولا إلى الأنبوبة وكيس السكر، هذا ويبقى استخدام الدين من الجماعة هو أحد أكبر عوامل جذب الناخب، خصوصا أننا شعب تتخطى نسبة الأمية فيه حاجز الثلاثين فى المائة، ويعد استخدام الدين وشعاراته أحد أفج عيوب الجماعة، وهو أمر لا يسبقها فيه إلا التيارات السلفية. أضف إلى ذلك جميعه أن مصر ليست مقطوعة الصلة عن العالم العربى الذى تشهد جميع الانتخابات التى تجرى فيه نتائج مقاربة للحالة المصرية، ففى تونس «النهضة» الأول والمغرب «العدالة والتنمية»، وقبلهما حماس فى فلسطين، كل هذا يوضح أننا أمام حالة من المد الدينى فى العالم العربى، لكن هل ستستمر هذه الحالة كثيرا أم أنها مرحلة عابرة وعارضة؟
وبالانتقال إلى التيار السلفى الذى خاض غمار الانتخابات تحت مظلة حزب النور يمثل حالة مغايرة للوضع فى سائر البلدان العربية السالف ذكرها التى يكاد يكون الحضور السلفى هامشيا وضعيفا أقصى ما يمكن أن يفعله هو إحداث مناوشات هنا أو هناك فى مسائل النقاب والحجاب، نجده فى الحالة المصرية صاحب حضور قوى ليس فقط فى المشهد السياسى، بل المشهد الاجتماعى لا يقل عنه حضورا، فالتيارات السلفية ترعرعت فى آخر عشر سنوات فى عصر مبارك «لاحظ أنها السنوات التى شهدت تصاعد جمال مبارك وحاشيته» والقنوات الدينية ذات الطابع السلفى انتشرت والشيوخ السلفيون أصبحوا نجوم مجتمع مثلهم مثل الفنانين ولاعبى الكرة، وهو ما ظهر جليا فى الانتخابات من خلال استخدام صور بعض رموز ومشايخ التيار السلفى فى مصر فى حملات إعلانات الشوارع، بالإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من حداثة عهد السلفيين بالعمل السياسى وحداثة ميلاد أحزاب مثل النور والأصالة، إلا أن أداءها الانتخابى لا يعبر عن تلك الحداثة العمرية، ويرجع ذلك إلى الدعم الهائل الذى لاقته تلك الأحزاب من جماعة الدعوة السلفية والجمعية الشرعية وغيرها من المنظمات الدينية التى لها باع فى الخدمات الاجتماعية حتى قبل الإخوان أنفسهم، ويبقى استخدام الدين بشكل أكثر فجاجة من التيارات السلفية عاملا هاما من عوامل جذب الناخب، بل قيام رموز من هذا التيار بحرب تكفيرية ضد الليبرالين والمدنيين أثرت بالسلب على التيار المدنى مستغلين العاطفة الدينية عن المواطن، وأيضاً إبهام بعض الأفكار والمصطلحات الليبرالية على قطاع ليس بهين من أبناء الوطن.
لكن على كل الأحوال تبقى مشاركة التيارات السلفية فى العمل العام أمر هام للنور خير ألف مرة من بقائها تعمل فى الظلام، حيث إن خروجها للنور يجعلها موضعا للاختبار والنقد والتطور، وهو أمر تحتاجه الحياة السياسية المصرية. أما عن التيار الليبرالى فلنا معه وقفة أخرى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة