سامح فوزى

معركة الأدلة

الإثنين، 09 يناير 2012 05:10 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لست باحثا فى القانون، أو محاميا، ولكن من حسن الحظ أن كثرة القضايا، والجدل الذى يثار حولها يكسب المرء بعضا من المعرفة القانونية. المستقر قانونا أن «البينة على من ادعى»، يعنى أن الحكم يقوم على أدلة وبراهين، وليس تعبيرا عن نظرة شخصية أو بحثا فى نوايا الغير أو انفعالا مع مرافعة النيابة أو دفوع الدفاع، المسألة –إذن - «أدلة وبراهين» وأعتقد أن مرافعة النيابة - البليغة والمؤثرة - فى قضية قتل المتظاهرين والفساد المتهم فيها حسنى مبارك ونجلاه ووزير داخليته وكبار رجاله لم تنطو على أدلة وبراهين دامغة، وأطرف تعليق قرأته نقلا عن محامى أحد المتهمين «أن المحاكمة إذا كانت جنائية فالبراءة مؤكدة، أما إذا كانت سياسية فلا أحد يعرف ماذا سيكون عليه الحكم».

القضية براهين وأدلة، وأجهزة التحقيق تقدم أحيانا قضايا للمحاكم تخلو من البراهين والأدلة وفى النهاية القاضى يحكم بناء على المعطيات التى أمامه، لا أحد يطالبه بأن يصدر حكمه بناء على المنشور فى الصحف، أو المتداول فى الفضائيات أو فى المرافعات فى المحكمة وتشير الخبرة إلى أن الكثير من القضايا التى شملت حالة عنف وقتل وتخريب على مستوى نطاق واسع عادة ما ينتهى ماراثون المحاكمات فيها بلا أحكام رادعة، وأحيانا يكلل ختامها حكم البراءة والسبب فى ذلك يعود إلى اتساع نطاق الجريمة، وعدم القدرة على جمع الأدلة، والكثرة المفرطة فى عدد الشهود، وتضارب أقوالهم فى أحيان كثيرة، فضلا عن التناقض الذى قد يعترى بعض التقارير المقدمة للمحكمة وفى النهاية تصدر أحكام لا تشفى غليل الرأى العام والسبب يعود إلى عدم كفاية الأدلة.

أخشى أن يتكرر ذلك فى القضية الكبرى التى ينتظرها الشعب المصرى منذ ما يقرب من عام. القاضى يحكم بناء على معطيات من أدلة وبراهين وشهادة شهود وضميره، والناس فى الشارع تريد القصاص، تنتظره بلهفة، وتتعلق أفئدتها به، إلى الحد الذى جعل شخصية دينية مرموقة، ترى أن تطبيق حد الحرابة هو الأمثل فى هذه القضية، وهى ما يعنى جواز «صلب» حسنى مبارك، وذكر لى صديق - ربما على سبيل الدعابة - أن يكون تنفيذ حكم الصلب فى ميدان التحرير. الناس متطلعة للحكم فى هذه القضية، يريدون القصاص من القتلة، يتأملون حركتهم فى قفص الاتهام، ويرون أن التعبيرات الهادئة التى تظهر عليهم ليست تعبيرا يائسا من متهم ينتظر العقاب، بل هى سلوك شخص مطمئن وهادئ.

إلى هذا الحد ينتظر الناس الحكم، وهم يريدون القصاص من القتلة لأول مرة - فى حدود علمى - فى قضية كبرى مثل التى نحن بصددها تقول النيابة إن أجهزة الأمن «قصرت» فى جمع وتقديم الأدلة، وإن النيابة حملت العبء على كاهلها وحدها، وهى بذلك ترفع الحرج عن نفسها، وتغسل يديها أمام المجتمع فى قضية القرن، لا تريد أن يكون التاريخ قاسيا فى الحكم عليها، الكل يريد أن يبرئ نفسه. أجهزة الأمن تقول إن الانفلات الذى ساد البلاد منعها من أداء عملها، والمخابرات العامة تقول ليس من صميم عملها جمع الأدلة والبراهين للنيابة، وإن كانت قد ساعدت بتقديم ملفات عن فساد مبارك وزمرته.

راودنى شعور بعد الاطلاع على مرافعة النيابة فى قضية «مبارك» أننا نسير على طريق «غياب الأدلة» بذات التعرجات والمنحنيات، بالطبع لا نعرف ما يدور فى ذهن القضاة، ولا نطلع على كل ما فى حوزتهم من أوراق وربما أدلة، فقط نسجل تخوفا مبكرا، وبخاصة مع ارتفاع مستوى توقعات الناس فى الحصول على أحكام قاسية لهؤلاء المتهمين، والذين مازلت أرى أنهم يستحقون محاكمة، غير تلك التى يحاكمونها.





مشاركة




التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

صـفــوت صـالـح الـكـاشــــف/القاهرة

هل يمكنك أن تشعر بحجم الضغوط الماثلة على قاضى //مبارك

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة