د. محمد محسوب

العدالة الاجتماعية.. الفريضة الواجبة

الخميس، 11 أكتوبر 2012 06:03 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
«عيش، حرية، عدالة اجتماعية»، لم ينطق مئات آلاف المحتشدين فى التحرير خلال الثمانية عشر يوما فى يناير 2011 بتلك الكلمات من فراغ أو لتذهب أصواتهم فى فراغ أو ليقوم نظام سياسى جديد على تكريس الطبقية وغياب عدالة التوزيع، فتلك الكلمات مثلّت أعلى درجات الوعى الاجتماعى للشعب المصرى، فهى وضعت حد الكفاية بكلمة «عيش»، وحد الرفاه بعبارة «عدالة اجتماعية»، وحددت البيئة التى ينتقل فيها مجتمع من حد الكفاية لحد الرفاه وهى بيئة «الحرية»، فهى الشرط الضرورى لتحقيق النقلة من اقتصاد سد الحاجة إلى اقتصاد إشباع الحاجة ثم فائض الحاجة. غير أن حالة التيه السياسى التى عاشتها الدولة المصرية خلال ثمانية عشر شهرا تالية لإسقاط النظام السابق، جعلت كثيرين يشعرون بحيرة أو ربما بقدر من اليأس فى أن هذا الشعار الخلاب لن يتحقق منه سوى تغيير نظام سياسى بآخر لا يختلف عنه، بل ربما أسوأ، لدرجة أن البعض بدأ فى الترحم على النظام السابق مقارنة بحالة الدولة وقتها. والحقيقة أن عملية التحول التى تخوضها الأمم هى عملية مركبة، وتحمل فى طياتها نجاحات وإخفاقات، وأخطر ما يواجهها محاولات النظام القديم فى العودة بحركة هجوم مضاد، يحاول خلاله أن يلبس ثياب الثوار وأن يختلط بهم وأن يجتذب بعض أبناء الثورة لصفوفه، لينازع الثوار شرعية الوجود، وشرعية المساهمة فى بناء النظام السياسى الجديد. وإذا كانت تلك المماحكات والمصادمات تستغرق أحيانا عقودا حتى يتحقق نصر نهائى لفريق الثورة، كما حدث فى فرنسا، فإن الله كان بنا رحيما إذ لم تطل هذه المرحلة أكثر من ثمانية عشر شهرا.

الآن وقد استقر، بقدر كبير، الأمر للقوى الجديدة التى شاركت فى الثورة، فهى التى تملأ الساحات والفضائيات ومقاعد الحكم، فإن الخطر لم يعد كامنا فى محاولات النظام السابق فى العودة، وإنما فى إخفاق القوى الجديدة فى تحقيق التوافق فيما بينها على صيغة النظام السياسى. فالخلافات حول التأسيسية والتشكيك فى النوايا وبناء التحالفات لغايات فئوية أو لغاية مناهضة فريق آخر وليس بغرض المساهمة فى بناء النظام السياسى، هو ما قد يؤدى، لا قدر الله، إلى تبديد القوى السياسية الجديدة لطاقاتها فى تناحر سياسى، يلهيها عن تحقيق أهداف الثورة.

المطلوب الآن هو الانتقال سريعا للتركيز على تحقيق أهداف الثورة التى يحملها شعارها، والإيمان بأن التداول السلمى للسلطة سيقضى على كثير من الضغائن والمخاوف والتشكك، فكل هذه القوى السياسية التى نراها فى الساحة ستتناوب على الحكم بطبيعة المرحلة التى ستجعل الشعب يسعى إلى التعرف على الجميع وتجريب الجميع قبل أن يستقر بعد عقد على الأقل على حزبين أو ثلاثة. غير أن مصلحة الجميع فى هذه اللحظة أن يتساندوا لتحقيق هذه الأهداف أيا كان من يحكم لأن شرعيتهم جميعا على المحك.

وربما تحقيق العدالة الاجتماعية لا ينتظر حتى الانتهاء من بناء النظام السياسى، إذ يتطلع الشعب إلى أن يرى الفارق بين أمس واليوم فى حياته اليومية، ويتمثل الفارق فى سياسات مختلفة فى مجالات التوظيف والعمل بوضع قانون موحد للوظيفة والعمل ينظم الوظائف والأعمال من أعمال الخدمة حتى أساتذة الجامعات والقضاة والمديرين، وكذلك فى وضع منظومة للأجور تحقق تقاربا معقولا فى الدخول بين الحد الأدنى والحد الأعلى بطريقة منطقية وليس بالطريقة التى تبقى على الفجوة فى الأجور بين أنواع الوظائف والأعمال.

كما أن العدالة الاجتماعية تتحقق بمزيد من السياسات التقشفية فيما يتعلق بالإنفاق الحكومى وبمواجهة واضحة لمفهوم دعم القادرين خصوصا فى مجال الطاقة، ليتحول إلى دعم للفئات الأكثر احتياجا. غير أن الأهم فى هذا السياق هو وضع جميع مصادر الثروة الطبيعية فى البلاد، ومن بينها الأراضى الزراعية وأراضى الاستصلاح وأراضى التنمية الصناعية والسياحية والبناء تحت عين وبصر الدولة والشعب، بحيث يُعاد النظر فى طريقة استغلالها واستثمارها بما يحقق عوائد وفوائض مالية تمكن الدولة من تطوير مرافقها خصوصا الأقرب لإشباع حاجات جموع الشعب، وعلى رأسها النقل والطرق والمدارس والجامعات والصحة وبناء مزيد من المستشفيات والمراكز الطبية وتوفير العلاج لمن يحتاجه بغض النظر عن قدرته المالية، وهو ما يرتد بشكل طبيعى توفيرا لمئات آلاف فرص العمل.

وتسير الدولة المصرية اليوم على خطين متوازيين، الأول هو بناء النظام السياسى، والثانى هو إنهاض الاقتصاد، غير أن من الواجب الإسراع فى إنجاز التحول الديمقراطى وبناء النظام السياسى كشرط أساسى للإسراع فى مجال الإصلاح الاقتصادى القائم أساسا على تحقيق الفريضة الواجبة، وهى العدالة الاجتماعية.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة