يبدو من ظاهر التصرفات والإجراءات التى تصدر عن الجمهورية الجديدة برئاسة الدكتور محمد مرسى، أن طبيعة الحكم فى مصر لم تتغير كثيرا عما كانت عليه زمن مبارك والحزب الوطنى ولجنة السياسات، ألا وهى صياغة القرار فى حزب الحرية والعدالة «المقابل للحزب الوطنى»، ومجلس شورى الجماعة «المقابل للجنة السياسات»، ثم يتخذ الرئيس القرار، وعلى المتحدث الرسمى باسمه أن يرد على أسئلة السائلين. ومما يساعد على ذلك غياب السلطة التشريعية بعد إبطال مجلس الشعب. وفى هذا الخصوص تكفى الإشارة إلى قيام الرئيس مرسى بإلغاء الإعلان الدستورى المكمل دون حيثيات إجرائية، ثم أطاح برئاسة المجلس الأعلى للقوات المسلحة التى كانت تشاركه الحكم فى الفترة الانتقالية، وأخيرا محاولة إقصاء النائب العام عن منصبه بالمخالفة للتقاليد المتبعة.
والحال كذلك لا يبدو أن طبيعة السلطة الحاكمة فى مصر سوف تتغير عما استقرت عليه حتى بعد صدور الدستور، ذلك أن كل صاحب سلطة فى أى مستوى من مستوياتها، ابتداء من رئيس الأرشيف، لم يتعلم أن السلطة مجرد وسيلة لمباشرة مسؤولية الوظيفة المنوط بها، وما تفرضه عليه لقضاء مصالح الناس وحاجاتهم، ولم يتربى على هذه الثقافة فى مختلف مراحل حياته، ابتداء من خضوعه لسلطة الأسرة، ثم المدرسة، ثم سلطة العمل إلى سياسة الحكم، حيث قضى حياته يتنقل من سلطة مستبدة إلى أخرى لا تقل عنتا عن غيرها بشكل راحت معه الحرية التى ينشدها الإنسان، حتى لقد قال أحد الحكماء: إن الإنسان يفكر فى حرية، ويتكلم فى حدود، ويعمل وفق الإمكانات.
أما لماذا هذه النظرة المتشائمة عن مستقبل الحكم والسلطة فى مصر من حيث احتمالات استمرار الطبيعة المستبدة فيمن يتولى مسؤولية الحكم، ومن ثم الانحراف به عن تأمين مطالب الشعب وحاجاته، فإن مرده إلى ما تشهده الساحة السياسية من انصراف أولى الأمر الجدد للانتقام من الخصوم، والانحياز للمؤيدين والأنصار، وإحراج من يفكر فى معارضتهم بوسيلة أو بأخرى، وما أكثر الوسائل، والعمل على فرض آرائهم الدينية الثابتة والمطلقة فى أمور السياسة وهى متغيرة، وقبل هذا وذاك التحكم فى وضع الدستور لكى يكون على مقاس ما يعتقدونه حتى يبدو الاستبداد فى ثوب ديمقراطى. ولعل آية ذلك تبدو حين ساد اتجاه فى اللجنة التأسيسية للدستور لتجريد الرئيس من أية سلطة تجعله حاكما مطلقا، إنما تجعله حكما بين السلطات ومرجعية للتوازن، وحينئذ قال أحد أعضاء الجماعة من حزب الحرية والعدالة: لا ينبغى ألا يكون الرئيس بدون سلطات، فبدأ الاتجاه نحو العمل على تقليل هذه السلطات المقررة فى دستور 1971، وهى إشارة للمواد 137-152 «الفصل الثالث: السلطة التنفيذية- رئيس الجمهورية» التى تجعل الرئيس كل شىء وما عداه باطل. ومهما كانت السلطات التى سوف يمنحها الدستور للرئيس ضئيلة أو قليلة، فلن تختفى معها طبيعة الاستبداد، بل ستجعلها جاهزة للانطلاق إذا تطلب الأمر ذلك. وهنا يكمن الفرق بين تجارب الشعوب فى تقييد سلطات الرئيس، نظرا لاختلاف الثقافات، وتكفى الإشارة إلى أن الدستور الأمريكى يعطى للرئيس «المنتخب» سلطة الفيتو، أى الاعتراض على أى قرار وافق عليه الكونجرس الذى يمثل سلطة شعبية «منتخبة»، وذلك بدعوى أن الرئيس يرى مصالح الوطن بشكل أقدر من السلطة الشعبية. لكن ثقافة المجتمع التى تربى عليها الرئيس تمنعه من الانحراف بهذا الحق. ولعل هذه الخصوصية فى بلاد الغرب جعلت شبلى شميل، المثقف اللبنانى، يقول فى نهاية القرن التاسع عشر: إن الغرب تحكمه قوانينه، والشرق يحكمه حكامه.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة