فى معرض حديثه عن أحداث الجمعة والعدوان على المتظاهرين فى ميدان التحرير، قال الدكتور عصام العريان: «لدينا تسجيلات صور وفيديوهات لمن قاموا بالبلطجة والحرق يوم الجمعة». ثم رأينا قياديين آخرين يقولون إن لديهم تسجيلات وأدلة لبعض من دعوا لتظاهرات الجمعة وهم يعقدون اتفاقات مع أفراد فى نظام مبارك»، كان ذلك جزءا من الرد وتبرير الاعتداءات التى أنكرها العريان نفسه، وأنكرها الدكتور البلتاجى ثم عاد وقال إن ذهاب بعض الإخوان كان خطأ.
وبعيدا عن الإنكار والتبرير، فإن حديث قيادات الإخوان عن امتلاك تسجيلات تدين من دعوا لمظاهرات الحساب، يثير العديد من الأسئلة، ويدفع بالعديد من الفئران لتلعب فى الصدور. أولا أين هذه التسجيلات، ولماذا لم يقدمها الدكتور للجهات المعنية؟
ثانيا هل حصل قياديو الجماعة على هذه التسجيلات بشكل مشروع وباستئذان النيابة. ومنذ متى تمتلك الأحزاب الحق فى التجسس على الآخرين. الدكتور العريان والدكتور البلتاجى حسبما نعرف ليسا قيادات أمنية ولا بوليس سياسى أو جنائى. هو نائب رئيس حزب، حتى لو كان حزبا حاكما. هناك الكثير من الأحاديث والاتهامات تنقلنا إلى منطقة أخرى، تجعل للحزب الحاكم، دورا أمنيا، ليس من أدوار الأحزاب، ولا من العمل السياسى.
وبالتالى فإذا كان هناك من يحاسب على مثل هذه التصريحات، فمن الطبيعى أن يمثل من يقول ذلك أمام جهات التحقيق لتسأله عن تسجيلاته، إلا لو كان يثق أن أحدا لن يسأل قياديا فى الحزب الحاكم، أو أنه يعتبر نفسه فوق كل مساءلة أو حساب. وهنا ندخل فى الخلط بين السلطات الذى كان أحد أسباب المعارضة والاستهجان لنظام مبارك. وها هو يعود مع الحزب الحاكم، وكأننا انتقلنا من نظام يحكمه أمن الدولة إلى نظام يحكمه أمن الحرية والعدالة.
ويتزامن هذا الحديث، مع أحاديث عن أن بعض الجهات الحزبية أصبحت بالفعل تقوم مقام أجهزة الأمن وتعد تقارير عن الأشخاص الذين يرشحونهم لتولى المناصب القيادية. وهى أنباء سربها بعض قيادات السلطة فى معرض افتخارهم بالتأثير فى القرار السياسى.
وفى ظل حمى التقارير الأمنية، تعجز السلطة حزبيا وحكوميا عن تقديم تقارير صحيحة عن الأحوال الأمنية والاقتصادية، وتترك هذه القضايا الأولى بالرعاية لتتفرغ لكتابة تقارير أمنية عن المنافسين أو تستمع لتسجيلات مكالماتهم. وهذه الطريقة كانت شائعة فى ظل الدول الشيوعية العتيدة كالاتحاد السوفيتى ودول شرق أوربا، وعربيا كانت فى حزب البعث بأنواعه. فهل يمكن ونحن فى الطريق لبناء ديمقراطية، والحديث عن ضرورة الحوار ولم الشمل، يمكن أن تتحمل دولة مثل مصر هذا العبث الأمنى.
على هؤلاء أن يفسروا تصريحاتهم، حتى لا يقود الالتباس إلى مزيد من الهواجس، تقود لوضع سياسى غير طبيعى نحن فى غنى عنه. نأمل أن يكون موضوع التسجيلات مجرد التباسات مثل التباسات مستشارى الرئيس.