يدخل إضراب الأطباء الآن أسبوعه الثالث، ولا استجابة لمطالب الأطباء! أبدى الأطباء قدرة وشجاعة على تنظيم العمل بالمستشفيات بما لا يضر المرضى، مما فوت الفرصة على الحكومة أن تشوه الإضراب والأطباء، وإن طبعا لم يتوقف التشويه فى تليفزيون الشعب الذى للأسف هو تليفزيون الحكومة فمازال يأتى بأشخاص يتحدثون عكس ما هو حاصل، ويقولون إن إضراب الأطباء منعهم من العلاج وعرّض حياتهم للخطر، وليس التليفزيون وحده، بل الصحف القومية للأسف التى صارت أسود وأضل سبيلا من الصحف القومية قبل الثورة.
كان الأطباء أكثر حكمة، فأوضحوا للجميع أن الإضراب ليس من أجل مطالبهم الشخصية فقط، ولكن من أجل مصلحة المريض أيضاً الذى لا يجد سريرا نظيفا ولا يجد طعاما نظيفا ولا يجد علاجا نظيفا أيضاً، مستشفيات مصر سجلت الرقم القياسى فى وجود الفئران والصراصير والبراص -جمع برص- وهذا فى الحقيقة ليس جديدا، لكن الجديد هو أن الأطباء هم الذين يحاربون الآن من أجله، وليس الكتاب ولا منظمات المجتمع المدنى فقط، ثم ما هى مطالب الأطباء الشخصية، وهل هى حقا شخصية أم حقوق أساسية، ليس للأطباء من مطلب شخصى إلا أن توفر لهم مرتباتهم، العيش بكرامة، خرج علينا التافهون الحاضرون فى كل مناسبة ليقولوا إن عمل الطبيب إنسانى ولا يجب أن يسأل عن مقابل له، بالضبط كما فعلوا مع المدرسين من قبل، ونسى هؤلاء التافهون أنه فى النهاية عمل بأجر، والطبيب لا يستطيع أن يتنازل عن أجره من أجل الإنسانية إلا إذا كان طبيبا كبيرا لديه عيادة وأكثر ومستشفى، وهؤلاء طبعا مشاريعهم فى الأصل استثمارية، وإن تنازلوا عن شىء من أجورهم فهو ليس لأن عملهم إنسانى، ولكن مرضاة لله عن مكاسبهم، وإلا كانت تحول إلى مستشفيات مجانية مادام العمل إنسانيا!، الفارق بينها وبين مستشفيات الحكومة أنها تقدم لك ما يجب أن تقدمه أى مستشفى لمريض، سريرا نظيفا وعلاجا، الأطباء هم نفس الأطباء، مطلوب إذن من الأطباء الشباب أن يعملوا مجانا ولا يكون لهم مستقبل اجتماعى وإنسانى يتسولون مثل من المرضى مثل التمرجية وعمال الأسانسيرات فى المستشفيات، لغة ركيكة وأدبيات عقيمة يعاد ترديدها بعد أن رددها اللصوص كثيرا فى العهد السابق وسرقوا الصحة وأموالها فى وزارة الصحة، وفى كل شىء فى أى مكان، كيف حقا لا تستجيب الحكومة حتى الآن لمطالب الأطباء؟ وكيف تراوغ، وكيف تكون ودنا من طين وأخرى من عجين أمام هذا الإضراب الذى لم يطلب إلا الحد الطبيعى لمطالب البشر، وهو الراتب الذى يليق بحياة كريمة فى قطاع من أهم وأخطر القطاعات.
الحكومة لا يهمها الأطباء ولا يهمها بالتالى المرضى، صدّرت لنا منذ أتت الحديث عن العجز فى الموازنة، وهو حديث كاذب لأن هذا العجز لايزال يسمح بآلاف المستشارين يعملون بمليارات الجنيهات، ولايزال يسمح بمرتبات تتجاوز المليون فى الشهر لبعض المحظوظين ولايزال يسمح بشراء مدرعات جديدة لوزارة الداخلية ولايزال يسمح بمواكب تتكلف الملايين كل يوم جمعة من أجل صلاة السيد الرئيس ولايزال يسمح.. ماذا سأقول أكثر من ذلك لا شىء تغير فى الحكم للأسف، نفس الحجج القديمة لكنها الآن تجد من يبررها وهو يصلى الفروض الخمسة، وربما يؤذن مثل السيد رئيس الوزراء.
لقد اتهم النظام السابق بالسرقة والنهب ولم يكن ذلك كذبا، ومضى عام ونصف العام، فمن سرق البلاد فى هذا العام ونصف ليظل كل شىء فى مكانه، لا يقول لى أحد أن مصادر الدخل قلت، فالسياحة مثلا مضروبة لأنى سأقول له على الفور ضرب السياحة جاء من غياب الداخلية، وجاء من الأفكار الإرهابية التى انتشرت والتى تعتبر السياحة حراما، ثم إنه إذا كان جزءا من السياحة يدخل خزانة الدولة فى شكل ضرائب، فهناك مصادر أخرى كاملة لم تكن تدخل ميزانية الدولة مثل دخل قناة السويس، وطبعا لن أعيد فى التقصير الحكومى فى زيادة مصادر الدخل مما أشرت إليه سابقا.
سيطور الأطباء إضرابهم إلى استقالات جماعية والحكومة لاتزال تتفرج عليهم وكأنهم غير موجودين، تريد الحكومة أن يموت المرضى فى لعبة خبيثة يتحمل فيها الأطباء النتيجة، هذه ليست حكومة مسلمين، إنها للأسف حكومة فاق دهاؤها دهاء كل رجال النظام السابق، لكنه دهاء غبى ليس فى زمانه ولا مكانه، حكومة تقتل مرضاها وتزدرى أطباءها، فهى حكومة كافرة ولن يقبل الله منها أى صلاة.