د.عثمان فكرى

انفصال" السرو" و"التحسين"

الجمعة، 19 أكتوبر 2012 01:46 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
غيرت الثورة كثيرا فى سلوكيات الشعب المصرى، وكان أهم ما غيرته هو القدرة على التمرد، وعدم الخوف، والإصرار على تحقيق المطالب مهما تكلف الأمر من تضحيات.. ولا يهم هنا أن كانت هذه المطالب واقعية أم خيالية.. منطقية يمكن تحقيقها، أم مستحيلة لا ترقى لمستوى العقل.. مثل مطالب أهالى قريتى" السرو" و"التحسين" بالانفصال الإدارى عن محافظتى دمياط والدقهلية احتجاجا على سوء الخدمات المقدمة إليهم.

كانت لقرية "التحسين" السبق فى تدشين هذا المطلب الغريب والمثير.. ثم تبعتها بلهجة أكثر حدة قرية "السرو" التى هدد أهلها بعرض الأمر على محكمة العدل الدولية حال عدم الاستجابة لمطالبهم!!.. سمعنا من قبل عن همهمات من قلة نوبية أو قبطية تدعو للانفصال.. لكنها المرة الأولى التى تطالب فيها قرية بالانفصال.. الأسباب فى الحالتين متشابهة تقريبا، حيث تعانى القريتان من إهمال واضح فى توفير المرافق والخدمات من مياه شرب نظيفة، وصرف صحى، ومستوى تعليمى مقبول، ورعاية صحية، وطرق وشوارع صالحة للسير عليها..

كم قرية مصرية تعانى من إهمال وقصور فى توفير الخدمات المعيشية التى تحفظ للإنسان كرامته، وتشعره بأنه مواطن له حقوق فى دولته يعرفها المسئولون، ويعملون على تلبيتها؟ وكم مسئول فى مصر لديه إحساس الراعى المسئول عن رعيته أمام الله قبل أن يكون مسئولا عنها أمام رئيس الجمهورية؟ كم مليونا فى مصر يعانون.. ليس من الفقر، أو نقص الأموال وقلة الحيلة فى مواجهة الحياة.. ولكنهم يعانون من الإهمال والإحساس بعدم القيمة، وكأنهم قد ماتوا، وهم لا يعلمون؟

الحديث عن ثورة جياع قادمة لا ينقطع، ومطالب الانفصال أيضا لن تتوقف على "السرو والتحسين".. بل يمكننا أن نتوقع سيلا من المطالب المشابهة فى الفترة القادمة.. آلاف القرى فى بر مصر.. شرقا وغربا.. وسكان المقابر والعشوائيات وأطفال الشوارع والمهمشين فى كل مكان.. يعانون، ولا يجدون من يستمع لهم.

قد يبدو للبعض أن طلبات الانفصال هذه هى أحدى حلقات تمرد العقل المصرى بعد الثورة، وأن الأمر لا يستحق الاهتمام أو المبالغة فى التعامل معه.. غير أن المتأمل لهذه الحالات التى تبدو شاذة وغير اعتيادية فى مطالبها، قد يدرك أنها البداية فقط.. وأن الأحداث الكبيرة تبدأ دائما بوقائع صغيرة غريبة واستثنائية، قد ينظر إليها البعض على أنها أمور لا تسترعى الانتباه، وتبعث على الضحك والسخرية.. لا تنسوا أن الثورة نفسها بدأت بدعوة من مجموعة شباب متحمس على الفيس بوك للتجمع والمناداة بالتغيير والحرية والعدالة الاجتماعية.

التدخل السريع من أجل وضع خطة استراتيجية للتعامل مع مشاكل المواطنين فى جميع المحافظات المختلفة، ووضع قائمة من الأولويات، وإعلان هذه الخطة على الناس حتى تعلم وتتأكد أن هناك حكومة ودولة تعمل من أجلها، ربما يكون هو الحل المناسب والجذرى لهذه الكارثة قبل استفحالها وتضخمها.








مشاركة

التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد المصرى

بطء قاتل وردود فعل هزيلة

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة