حالة العِراك والتناطُح التى تشهدها مصر بين القوى السياسية -قطعاً- سوف تعطِّل مرحلة اكتمال الثورة، ليس لسنوات فحسب، بل ربما لعقود.. قلنا ونكرِّر بأن مصر وُلِدت من جديد بعد الثورة فهى تحتاج إلى وحدة واعتصام أبنائها من أجل إعادة بنائها وانطلاق نهضتها، ولن يستطيع فصيل سياسى واحد بمفرده بناء مصر الحديثة، لابدَّ من مشاركة الجميع وتكاتف وتآزر كل مواطن وفصيل سياسى فى هذا البلد الذى هو ملك للجميع.. والثورة المصرية أسقطت خطابَ ومفهوم إقصاء الآخر من الساحة السياسية؛ فالجميع عانَى واكتوَى بنار الاستبداد والظلم والطغيان، فلابدَّ أن نشكر ربَّ العباد على هذه النعمة.. وشكر النعمة يا سادة يكون بالترابط والاعتصام والوحدة ونبذ الخلاف والشقاق وهو ما أسماه القرآن إصلاح ذات البين «فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم».
من يشاهد ويقرأ ويسمع ما يجرى على الساحة الإعلامية يُصَبْ -قطعاً- بالتوتر والقلق من هذا العِراك والخلاف الذى أصبح سِمةً بارزةً فى الإعلام المصرى.. حتى أضحت الرسالة الإعلامية رسالة إحباط ويأس وليست رسالة أمل وتفاؤل، ما دفع البعض إلى القول بأن الصراع الدائر بين القوى السياسية على الساحة الإعلامية سيكون سبباً رئيسياً فى تآكُل رصيد الثورة المصرية حيناً بعد حين بما يرفع معنويات المتربّصين والشامتين من الفلول وأذناب النظام البائد، فالاشتباكات التى دارت فى ميدان التحرير فى جمعة «كشف الحساب» أساءت للجميع وليس لطرفٍ دون آخر، ويتحمل الإخوان الخطأ الأكبر فى حشد الشباب فى ذات الوقت الذى احتشد فيه المعارضون، فكان يمكنهم التجمع والتظاهر ضد النائب العام فى يوم آخر حرصاً على عدم وقوع الصدام.
لكن الأغرب أنَّ المصريين الغلابة المطحونين لم يكونوا طرفاً فى تلك المعارك الواهية بين النُّخب والقوى السياسية.
ولم نر فى هذا التناطح والتنابز عنواناً يحمل هموم وقضايا الوطن الذى أصبح الآن ضحيةَ النُّخَبِ السياسية، ويبقَى أن يعلم الجميع، إسلاميين وليبراليين وناصريين أحزاباً وجماعات، أنَّ مصر الآن أمانة فى أعناقنا جميعاً، فالوحدة والاعتصام هو السبيل الوحيد لبنائها ونهضتها، أمَّا الخلاف والشقاق فلا يعنِى سوى الخراب والدمار والرجوع إلى الخلف.. فأىَّ طريقٍ نختار؟