أصبحت لدينا نظريات أكثر من المشكلات، ومع هذا فلا مشكلة واحدة انتهت. وأحيانا نبدو وكأننا نسير فى اتجاه مزيد من التعقيد، وبدلا من أن يراجع عباقرة السلطة أنفسهم، فإذا بهم يواصلون المزيد من التنظير الأهبل، الذى يبرر الواقع السئ، ولا يتقدم خطوة للأمام.
وليس أكثر بؤسا من عقليات انتقلت من المعارضة إلى السلطة، ولا تزال تفكر بطريقة الإنكار، والتبرير لكل ما هو خطأ، وخير مثال على مثل نظريات البؤس، ما جرى خلال أزمة النائب العام، التى أدارها مستشارو الرئيس وقيادات الإخوان بطريقة ساذجة. حملت نوعا من العدوان على القانون وخلت من الابتكار والإبداع. ولما خرج من ينبههم إلى أخطائهم، أخذتهم العزة بالإثم، وواصلوا طريق غواية السلطة والتسلط.
ومن بين من اعتبروا استبعاد النائب العام عدوانا على القانون أشخاص لايمكن الشك فى معارضتهم لمبارك، وانتقاداتهم لأداء النيابة العامة، لكنهم ساندوا ما رأوه حقا وانتقدوا أن تتم عمليات التغيير بالوجوه وليس بالقواعد المنظمة. مثلما رفضوا عودة مجلس الشعب عدوانا على حكم الدستورية.
ونفس الأمر مع كل معارضة للرئيس ومستشاريه وقرارات السلطة أو تعثر وارتباك الحكومة، حيث يترك قيادات الإخوان القضايا الرئيسية ويسحبون الرأى إلى تفاصيل وتفريعات خارج المنهج.
ومن تفسيرات البؤس السياسى، ما قدمه القياديون أمثال الدكاترة العريان والبلتاجى وغيرهما، عندما رسموا بخيالهم الواسع صورة تحالف مع رموز النظام السابق، يضمون إليه حسب الحاجة كل من ينتقد أداء الرئاسة أو الحكومة، ورأينا كيف ضموا البرادعى أو حمدين أو جورج أو عبدالحليم قنديل إلى حلف الماضى الذى يريد أن يسقط الرئيس، تماما مثلما اعتبروا 12 مليون ناخب من الفلول، مع أنهم يعلمون أن الحزب الوطنى لم يكن يضم أكثر من 200 ألف مستفيد، ولم يدركوا أنهم يضخمون من قوة حزب كانوا أول من يراه مجرد تجمع مصالح. ولا يمكن لأى خيال سياسى أن يرى أن الفلول أقوى من الأصول، أو أن النظام السابق الذى خرج الشعب كله يهتف بسقوطه، وكانت مظاهرات الغضب تضم شخصا على الأقل من كل بيت، أو حارة أو شارع، ولا يمكن اعتبار كل من لم يختر الإخوان فلولا، وإلا كان الشعب كله كذلك، لكن مثل هذا البؤس العقلى يمكن بالفعل أن يضاعف المعارضة ضدهم بعد انتهاء أى خوف من الاتهامات التى تهدف التشويه ولم تعد تصلح لتبرير الفشل والتعثر والارتباك.
إن الحديث عن الدولة العميقة والفلول لن يكون كافيا فى المستقبل القريب، لتفسير الغضب والشعور بالتراجع السياسى والاقتصادى، وافتقاد الحكومة الحالية لأى رؤية يمكنها وضع البلاد على الطريق الصحيح، ولم تعد الشماعات الحالية تكفى لتعليق أسباب الفشل فى مواجهة القضايا الرئيسية كالخبز والعلاج والأمن والمرور فضلا عن الفوضى المستمرة، وبدلا من الكذب والشماعات، على القائمين فى السلطة مراعاة فروق التوقيت، والبحث عن سياسة أفضل من الشماعات.