قلنا ومازلنا نقول إن إعادة النظام السابق لن تتم من خلال التصورات الساذجة التى ترسم سيناريوهات لاتفاقات بين رجال النظام السابق، وآخرين لإعادة نظام مبارك، لكن النظام السابق بتسلطه يعود باستمرار نفس القواعد التى أنتجب فسادا سابقا، حتى لو بوجوه جديدة، ويمكنها استنساخ تسلط حال أو قادم، وإذا كان من يعرفون نظام مبارك يعلمون أن الحزب الوطنى ومن قبله حزب مصر كانوا تجمعات مصالح أكثر منها أحزاب، فلا يمكن أن يكون بقايا الحزب أقوى من أصوله، لكن الانتهازيين وصناع التسلط جاهزون دائما للانضمام إلى أى حزب فى السلطة، وتمثيل دور المؤمن بأفكاره، بينما هم فقط مؤمنون بمصالحهم.
نقول هذا بمناسبة الحمى التى انتابت البعض، ودفعتهم لتفسير أى اعتراض على السلطة بأنه تحالف مع الماضى، حيث نظن أن من كانوا يتحلقون حول الحزب الوطنى كانوا يفعلون ذلك مع الحزب الحاكم، وعندهم القدرة والاستعداد لارتداء ملابس أى حزب حاكم، بصرف النظر عن الأسماء، ولديهم القدرة على تبنى أفكار السلطة وتمثيل دور المدافع عنها، لا فرق عندهم بين حزب وطنى وحرية وعدالة، لأن الانتهازية ليست أشخاصا، لكنها قدرات وإمكانات وطريقة تفكير.
لم يكن الحزب الوطنى حزبا بالمعنى المعروف، لكنه كان تجمع مصالح، يجذب إليه كل طالب سلطة أو نفوذ، ولم تكن هناك أفكار أو اتجاهات مشتركة بين الأعضاء، ولهذا عندما سقط فقد تفسخ وتشظى ولم يبق منه سوى أشخاص.
ولهذا نرى الآن من يبرر فعل السلطة، ويدعم أى قرار بصرف النظر عن صوابه أو خطئه، ونعرف عددا ممن كانوا حلفاء فى النظام السابق يعرضون خدماتهم للسلطة، ويتنافسون على ابتكار أفضل سبل صناعة التسلط، ومثلما كان هناك مصفقون وترزية يبررون لمبارك كل قراراته وتصرفاته، لدينا الآن من يبرر ويصفق بنفس الحماس.
وينمو صناع التسلط فى وجود القواعد العرجاء، والقوانين الفاسدة، والخلط بين السلطات، وهى أمور لم تتغير، وإنما تغيرت حتى الآن بعض الوجوه، ليتم وضع ترزى قانون مكان آخر، ومسؤول بدلا من مسؤول، بينما القواعد قائمة وتسمح بالتكرار، لأن نفس الظروف الموضوعية موجودة كما هى، التسلط لا ينمو فجأة، ولا يولد من العدم، ولكنه يتكون على مدى الأيام، خطوة خطوة، ويبدأ من غياب الفصل بين السلطات، أو بين الرئيس والحزب والحكومة.
لقد رأينا من بين المعارضين السابقين لنظام مبارك، من عيرته كيمياء السلطة، وحولته إلى نسخة من ترزية مبارك يبررون ما كانوا يرفضونه، ويدافعون عما كانوا يستهجنونه، وهناك خلايا انتهازية نائمة، نشطت وأصبح بعضهم من بين كبار المستشارين، نجحوا فى ارتداء ملابس الثورة، وعجزوا عن خلع ملابس النظام السابق، وهؤلاء جاهزون دائما للعب دور كان يلعبه رجال مبارك وبنفس الطريقة.
وعليه فإن إعادة الحزب الوطنى لا تتم بإعادة رجاله ولكن بإعادته تحت مسمى آخر، حزبا للسلطة لا يسمع لغير نفسه ويعمل بنفس القوانين التى تنتج التسلط مرات متعددة.