ما يدهشنى كثيرا فى الإخوان المسلمين، بعد ثورة 25 يناير، جرأتهم فى سعيهم العلنى للاستحواذ على السلطة فى البلاد والانفراد بها، وفى نفس الوقت تعمدهم الواضح لإقصاء كافة الرموز السياسية الأخرى من الشخصيات التى كان حضورها فى الثورة وبعدها أكبر وأكثر فاعلية من حضور الإخوان، ولا ننسى أن الرئيس محمد مرسى قبل ترشيح الإخوان له للرئاسة كان أقل المرشحين حضورا فى الشارع المصرى، ولا أقول هذا إنكارا لأحقيته بالرئاسة أو طعنا فيه، فقد جاء "حسبما يقال" عن طريق الصندوق.
لكننى فقط أتساءل لماذا كل هذا الاستحواذ والإقصاء من قبل نظام أتى عن طريق انتخابات ديمقراطية هى الأولى من نوعها فى تاريخ البلاد، وأتى على أثر ثورة شعبية كبيرة لم يكن هو محركها ولا قائدها ولا حتى مشارك فيها فى أيامها الأولى، بل أتى مثل غيره من تيارات وأحزاب وقوى سياسية أخرى ليركب موجة الثورة.
إذا كنا لم نعترض على وصول الإخوان للسلطة فى مصر بأساليب ملتوية وبتوازن قوى معوج وضع الخيار بين أفضل السيئين، فذلك لأن الثورة الشعبية لم تفرز قياداتها، والقوى السياسية الأخرى لم تكن مستعدة ولا منظمة، مثل جماعة الإخوان المسلمين، للوصول إلى السلطة، ونحن نقر أن الإخوان قد صعدوا عن طريق صناديق الانتخاب، لكن يجب ألا ننسى أن هذه الصناديق لم تعطيهم إجماعا ولا أغلبية ساحقة، بل فازوا بفارق ضئيل للغاية كان مشكوكا فيه إلى حد كبير، ولم يتجاوزوا ربع أصوات الناخبين، وهذه هى الديمقراطية بعيوبها ومميزاتها، لكن هذا الوضع كان من المفترض أن يفرض على الإخوان أن يشركوا معهم فى الحكم الآخرين، أو على الأقل يستدعون قادة التيارات والقوى الأخرى للمشاركة أو المشورة فى تأسيس الدولة الجديدة، خاصة وأنها أول تجربة لهم فى الحكم فى تاريخهم، ولا يستطيعوا الادعاء بأن لديهم أية خبرة سابقة فى إدارة شئون البلاد، فكان المفترض والبديهى أن يستعينوا بأهل الخبرة، أو يشركوا معهم الآخرين، على الأقل حتى لا يتحملوا المسئولية عن الفشل وحدهم، لكنهم لم يفعلوا ذلك، واستبعدوا الجميع، وذهبوا ليضعوا أنفسهم فى كافة المراكز المتحكمة فى صنع القرار فى الدولة، ويسعون للاستحواذ على السلطات الثلاثة (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، ويضعون أنصارهم فى قيادات الجيش والأمن والمحافظات والمجالس المحلية، ويسعون للهيمنة على الإعلام بشكل فج لم يحدث من قبل.
هل يمكن أن نصدق أن من يفعل كل هذا سيلتزم بالديمقراطية ويترك الحكم إذا خسر الانتخابات، لا أعتقد، بل أننى أشك أن تحدث انتخابات من أصله فى ظل وجود الإخوان فى الحكم، كيف لا ومصطلح الديمقراطية لا وجود له أساسا فى قاموسهم، بل قالوا من قبل إن "الديمقراطية بدعة غربية، وكل بدعة حرام، وأن الحكم شورى".
الكثيرون يقولون إنهم كما جاءوا بالانتخابات سيرحلون بالانتخابات، وأننا نعيش عهدا جديدا، ولا يمكن الرجوع للوراء، لكننى أعتقد أن الإخوان لن يتقدموا بنا للأمام ولن يعودوا بنا للوراء، بل سيهبطون بنا للقاع، إنهم الآن يخشون الديمقراطية بعد أن تراجعت شعبيتهم بشكل حاد، ولهذا يطيلون أمد غياب السلطة التشريعية والبرلمان حتى يسيروا تشريعاتهم ويستكملوا الاستحواذ على كافة المواقع التى ربما تساعدهم فى الحصول على الأغلبية البرلمانية التى بات الأمل فيها ضعيفا، وهم يعلمون أنهم لا يستطيعون البقاء ولا العمل مع برلمان تسيطر عليه أغلبية ليست منهم.
ما فعله ويفعله الإخوان فى مصر يؤكد أنهم لا ينوون الرحيل، لا بالديمقراطية ولا بالصناديق ولا بغيرها، بل سيتمسكون بالسلطة بكافة الأساليب الغير شرعية حتى لو اضطروا لاستخدام القوة والعنف، وحينذاك سيرفعون شعاراتهم وأعلامهم السوداء ويقولون إنه "حكم الله".