منذ فترة طويلة لم أركب مترو الأنفاق، وبسبب الزحام الشديد، والسيارات التى لا تتحرك فى الطرقات، المشوار الذى يستغرق ربع ساعة بات بقدرة قادر يأخذ أكثر من الساعة ونصف، لذلك يبدو أن المترو هو الحل المثالى رغم عيوبه القاتلة من زحام وروائح تزكم الأنوف، ولكن ما علينا يبدو أن العودة للتنقل بوسائل المواصلات العادية أنك ترى وجوه المصريين وتسمع منهم كيف يرون تطورات ما يدور فى الساحة السياسية والاجتماعية
وتظل الملاحظة المهمة، هو حالة الوجوم الذى كان يسيطر على الأغلبية، والهم فى العيون، وبدأ رجل فى نهاية الستينيات كان يجلس أمامى، بالحديث مع من يجاوره الكرسى، عن الأسر المسيحية التى تم تهجيرها فى رفح وعودة بعضها، وكان يتحدث بانفعال وهو ينظر ناحيتى بتعاطف شديد قائلا: «اللى بيحصل دا ما يرضيش ربنا»، ولا عمرنا عشناه فى مصر، هو إيه اللى بيجرى فيكى يا بلد، الأقباط كانوا قبل الثورة فى رفح 20 أسرة، وأصبحوا بعدها 9 أسر يعنى مثلا لو شبرا أغلبها مسيحيون ممكن نلاقيهم قاموا على المسلمين وطردوهم ولا أى بلد فى الصعيد يبقى من حق الأغلبية تطرد الأقلية، وثبت الرجل نظره ناحيتى للمرة الثانية، وقال لى مواسيا: معلش يا بنتى والله مصر عمرها ما كانت كدا وإنتوا أخواتنا.
ابتسمت له وهزيت رأسى، كأنى أشكره، فالحاج الذى يدافع عن حق الأقباط فى العيش فى سلام فهم مواطنون مثلهم مثل المسلمون تماما، أصبح مثل أغلب المصريين يتعامل مع أى امرأة تكشف رأسها على أنها مسيحية.
ويبدو أن الأزمة أصبحت أكبر مما نتخيل جمعينا فرغم إعجابى بشجاعة ذلك الرجل وكلماته الحاسمة، والتى استفزت آخرين كانوا يجلسون فى نفس المربع، خصوصا مع الفرض الذى انطلق منه حديث الرجل وهو قيام الأقباط بتهجير مسلمى شبرا مثلا.. وأنه كان يرغب فى أن نضع أنفسنا مكان تلك الأسر المسالمة والتى لا ذنب لهم سوى أنهم أقباط مصر - الذين أوصى الرسول الكريم بهم - نعم انفعلت بكلام الرجل وتفاعلت معه، خصوصا أن تكرار مثل هذه الحالات بات يشعرنا جميعنا بالأسى، من أعطى أحد الحق ليحاسب الآخر أو يقهره ويعامله بعنصرية لأنه صاحب دين مختلف، فأقباط مصر هم أهل مصر، وبدأت أستدعى عناوين الجرائد والمواقع الإلكترونية والتى حملت تصريحات من المسؤولين، ومن بعض العائلات القبطية، وسرحت قليلا فى الفرضية التى تحدث عنها جارى فى المترو وتخيلت وقتها كيف ستكون عناوين الجرائد، والمجلات والمواقع الإلكترونية، وكيف ستنقلب الحياة رأسا على عقب، وكيف ستخرج علينا الغربان من برامج التوك شو لتزيد النار اشتعالا.. ومع إحساسى باليأس التام.. وقبل أن أنزل فى محطتى نظرت بثقة فى عين الرجل وقات له: مش مضطر تجاملنى أو تواسينى، بالمناسبة أنا مسلمة، ومش معنى إنى مش لابسة طرحة أبقى قبطية، على العكس إحنا محتاجين نواسى نفسنا، ويجب أن نقف لنفكر حقا البلد رايح على فين وعلاقتنا بالآخر وبهويتنا كيف ستكون فى ظل هذا التردى الإنسانى.. لأن ما يحدث ضد أقباط مصر هو عار بمعنى الكلمة.