د. بليغ حمدى

الأيْدِى النَّاعِمَةُ

الثلاثاء، 30 أكتوبر 2012 03:15 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ظهر الدكتور محمد مرسى أول رئيس منتخب شرعى، وهو يتحدث فى خطابه للأمة المصرية فى ظل احتفالات البلاد والعباد بذكرى انتصار حرب أكتوبر باستاد القاهرة، بحضور الجمهور لأول مرة، لكن من غير لاعبين أو كرة، مشيراً إلى أن الأمن بدأ يتعافى تدريجياً، وأن استقرار حالة المريض الأمنى بدت مستقرة بعض الشىء بفضل العقاقير والمحاليل وكافة الأجهزة الإكلينيكية التى تحافظ على حياته. وعودة الأمن والأمان كان محوراً رئيساً ضمن محاور الرئيس فى خطة الأيام المائة لولايته، والتى بات من المستحيل حالياً وضع توقيت زمنى لبدئها الفعلى، فهناك من يرى أن بداية الخطة هى يوم توليه سدة حكم البلاد، وهناك من يرى أن شرارة البدء كانت لحظة إقصاء حكم العسكر من إدارة شئون البلاد أيضاً.

وفريق ثالث ارتأى أن بداية الخطة يوم تعيين وتكليف السادة المحافظين الإخوانيين سلطة إدارة محافظات مصر، وربما سأتهكم قليلاً لو قلت إن الخطة ستبدأ يوم عودة نشاط الكرة فى مصر، وهكذا سنرجئ بداية تنفيذ الخطة يوماً بعد يوم.

كثيراً ما يتساءل المواطن المصرى البسيط الذى لم يعد يشبه الفلاح الفصيح فى شكواه: هل كان مبارك ونظامه الأمنى وحدهم هم الذين يمتلكون الشفرة الكودية لحفظ الأمن، رغم وجود بعض التجاوزات الأمنية فى عهده أيضاً؟ هذا السؤال يطرح نفسه ليل نهار حينما تحاصر حوادث السرقة والقتل وأخبار الانفلات الأمنى هذا المواطن من خلال شريط الأخبار التليفزيونى، وهو يتابع برامج ترفيهية تلهيه وتدغدغ عواطفه، لأنه باختصار امتلأ سياسياً بالقدر الكافى، ولأنه أصبح على يقين بأن السياسة هى فن الممكن الذى لن يتحقق، وعلم المستحيل الذى يشبه مستقبله الذى ينشده.

وربما يعتقد المسئولون أن وجود رجال الشرطة المصرية فى الشوارع متمثلة فى لجان المرور هو المؤشر الحقيقى لعودة الأمان لقلوب المواطنين، وهذا المؤشر بالقطع كاذب وغير دال على الحالة الأمنية للشارع المصرى، لأن لجان المرور المنتشرة بطول وعرض البلاد لا تعنيها سوى التحقق من وجود رخصة القيادة، ورخصة ملكية السيارة، وممارسة بعض صنوف التعنت الشرطى للسائق بكتابة مخالفة، لأنه قام بتعليق عروسة بلاستيكية بمرآة السيارة، أو معاقبة من وضع شبشب صغير كتعويذة، رغم أننى حتى الآن لم أفطن لحقيقة معاقبة السائق لمثل هذه الأشياء، اللهم إن لم تكن تلك الأشياء تمثل عقدة لدى رجال المرور أنفسهم.

المهم أن الأمن الذى تحدث عنه السيد الرئيس، وهو يعتلى منصته الشعبية بالاستاد، لم يتعاف بصورة جادة، ويكفيك لأن تترجل أمام أية مدرسة ثانوية بمدينة القاهرة، أو حتى ببعض المحافظات أثناء خروج الطلاب والطالبات، لترى صورة مصغرة للحالة الأمنية فى مصر، ولأن الطلاب خرجوا من مدارسهم، فالمسئولية تعدت وزارة التربية والتعليم الغائبة عن قصد فى تربية وتعليم وتطوير وتنمية أبنائنا، لأن الوزارة مهمومة ومشغولة حالياً بمعارك جانبية، مثل إعادة هيكلتها لتصبح ضمن منظومة أخونة الدولة، أو لأنها تفكر فى أكاذيب جديدة تفيد بعدم وجود إضرابات أو اعتصامات من قبل المعلمين.

لكن تقع المهمة كاملة على وزارة الداخلية، وعليها أن تكلف نفسها بعض الوقت والجهد لترى كم وكيف المهاترات التى تحدث بالشارع تحت مرأى ومسمع المارة، دون تدخل أو توجيه أو إصلاح، بل إن فكرة القبض على مثيرى الشغب والتجاوز الأمنى فكرة قديمة تافهة لم تعد تحدث فى الدول المتقدمة، أو التى تدعى أنها متقدمة أمنياً، لأنها تمنع الكارثة قبل وقوعها، أما نحن فننتظر وجود قتيل أو شهيد أو مصاب حتى تهرع أجهزة الأمن نحو مكان الحادث، ويهرع المسئولون صوب الجنازة الشعبية للضحايا، ويظهر علينا الرئيس بأن الأمن بدأ يتعافى والحمد لله.

لكن ظاهرة الخروج المستدام على النظام والاستقرار واستخدام الأسلحة التى تباع حالياً على المقاهى بصورة عشوائية، فى تصفية الخلافات بين القرى والقبائل والعائلات، لهو ناقوس خطر لمستقبل محفوف بالمخاطر. ومحاولة إعادة الأمور إلى صورتها الطبيعية عن طريق الاستعانة مجدداً بالقوات المسلحة تشكل خطراً على طاقة البلاد أمنياً، لاسيما وأننا نستهلك طاقاتنا العسكرية بصورة مرهقة، لابد وأن تلقى بظلالها على المدى البعيد.

وجهاز الشرطة فى مصر، والذى تغيرت مهمته الحالية عن عهده السابق فى ظل نظام مبارك الهانئ بحبسه الطبى دون قلق أو توتر أو انفلات أمنى، لابد وأن يعى جيداً أن أجل مهامه الوظيفية هذه الأوقات هو حفظ الأمن وضمان الاستقرار، بل إن عليه مهمة حفظ النظام بصورة تحفظ للمواطن كرامته.

ولا أستطيع إلقاء اللوم كله على رجال الشرطة فى تباطؤهم العجيب لحفظ الأمن وإشاعة الأمان، لأن اللوم كله ينعقد بالمواطن نفسه الذى أصبح شفرة لها أكواد سرية، فهل حالة الكبت التى كان يعانى منها فى ظل النظام السابق هى التى دفعته لممارسة شتى صنوف الخروج على القانون؟ وهل كان المواطن المصرى بالفعل قنبلة موقوتة نحو الفوضى والعبث كانت بحاجة ماسة للانفجار؟

وبالأمس غير القريب، رأينا بعض جماهير الكرة، وهى تتجاوز حدود القواعد والقوانين وأخلاق الرياضة التى تربينا عليها، وتخرقها عمداً لمجرد خرق القانون فقط، وبعض طلاب المدارس بدأوا فى الثورة على مديريهم ومعلميهم وهؤلاء ثائرون على وزارتهم أيضاً.

لكن ما نطمح فيه على عجلٍ هو الحث على عودة الثقافة الأمنية لرجل الشرطة، والذى لابد وأن يعود بقوة وحماسة لممارسة عمله، وأن يبدأ بحفظ الأمن والنظام قبل وقوع حوادث دموية، كالطبيب الذى يضمن صحة مرضاه بإعطائهم مضادات ومقويات تقيه من أمراض البرد والشتاء قبل الإصابة، لأن هذا الانفلات الأمنى سيؤدى بنا حتما إلى حروب أهلية بين عائلات وقبائل وطوائف.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة