من المفروض أن الدستور أى دستور هو الذى يعبر عن كل المواطنين وهو الذى يحفظ الحقوق ويحمى الحريات ويضع حدا لاستبداد السلطات ويحدد صلاحيات الحاكم والأهم أن يعبر الدستور عن طموحات المرحلة الآنية ويضع رؤية مستقبلية لقابل الأيام.
فأين كل هذا فى تلك المسودة المطروحة لذلك الدستور؟ فما طرح لمشروع الدستور فى هذه المسودة أكد بما لا يدع مجالا للشك أن هناك محاولة مستميتة للسيطرة على الدستور من جانب تيار بعينه وذلك باسم الدين وبحجة حماية الشريعة الإسلامية حسب رؤيته وتفسيراتهم الخاصة لمقاصد الشريعة السمحاء، وكأن غيرهم هم ضد الدين ولا يريدون الشريعة، والهدف الواضح بالرغم من محاولات الالتفاف هو الحكم والسيطرة والاستبداد باسم الدين، وهنا فلنأخذ مثلا بالمواد 10 ، 11 من تلك المسودة فالأولى تلزم الدولة والمجتمع بالتمكين للتقاليد المصرية الأصيلة برعياة الأخلاق والآداب العامة، والثاينة تلزم الدولة بحماية الوحدة الثقافية والحضارية واللغوية للمجتمع وبالعمل على تعريب العلوم والمعارف وهنا فما هى تلك التقاليد المصرية الأصيلة وما هى حدود الأخلاق والآداب؟ ومن الذى يحدد تلك التقاليد وهذه الأخلاق وعلى أى أساس، خاصة أن هذه كلمات فضفاضة غير محددة الملامح والأبعاد فهل سيتم هذا التحديد انطلاقا من المادة الثانية وهى مبادئ الشريعة؟ وهنا تكون قد قننا لجماعات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر أن تمارس هواياتها وتطبق رؤيتها باسم الدين، وهل تريد أن نعطى سلاحا لكل من يريد أن يستخدم هذه المادة لتتوافق مع معتقداته الخاصة ورؤيته الذاتية فى الدين والدنيا؟ وما هو موقف الآخر المختلف فكريا ودينيا وعقائديا؟ أم نريد محاكم تفتيش باسم الإسلام؟
أما المادة 11 فمن المعروف أن الشخصية الحضارية المصرية هى نتاج تراكم الحقبات التاريخية المتعاقبة من فرعونية يونانية، رومانية، قبطية، إسلامية، ولأن الحقبة الإسلامية منذ أربعة عشر قرنا وهى الحقبة المعاشة الآن فلا شك أن تأثيرها حاضر ومؤثر، ولكن هذا لا يلغى أن هناك ثقافات خاصة مثل القبطية والنوبية والبدوية وبالرغم من خصوصيتها لكنها تمثل روافد أساسية ومهمة لإثراء الثقافة العامة المصرية التى تجمع كل المصريين ولذا فالوحدة الثقافية والحضارية تعنى الاهتمام بتلك الحقبات وعدم إهمالها باعتبارها أهم المكونات للشخصية الحضارية المصرية، وكذلك الاعتراف بالثقافات الخاصة كعوامل ثراء للتوحد لا للتفرق.
أما الوحدة اللغوية فهنا لا خلاف ولا اختلاف حول التمسك والاعتزاز باللغة العربية باعتبارها أهم عوامل التواصل والاتصال الفكرى والاجتماعى الذى يوحد كل المصريين، ولذا تصبح اللغات الخاصة مثل القبطية لغة لأداء بعض الصلوات فى بعض الأحيان باعتبارها تراثا مصريا تاريخيا يخص كل المصريين مسلمين ومسيحيين، كما أنه لا علاقة البته بين اللغة القبطية وبين المسيحية فهى لغة قديمة وليست دينا ولا عقيدة، ومن يتخيل إحلالها بديلا للعربية فهؤلاء حالمون انفصاليون طائفيون، وكذلك الأمر بالنسبة للغة النوبية.
أما العمل على تعريب العلوم والمعارف فهذا طريق صحيح لمسايرة التقدم العلمى والانفتاح على العالم لإثراء الفكر وتحريك العقل والمضى نحو التقدم، وهذا بلال شك غير هذه الدعوات المتخلفة التى لا علاقة لها بالحاضر والتى تدعو لعدم تدريس اللغة الإنجليزية، ولذا فلا يجب الالتفاف على الدستور أو تخصيصه لجماعة معينة تحت أى مسمى وباسم أى ادعاء حتى لو كان الدين، فكلنا مسلمون عقيدة وحضارة، وسيكون الدستور دستور كل المصريين شاء من شاء وأبى من أبى.. وستظل مصر دائما وأبدا لكل المصريين.