عاصم الدسوقى

الخطوط الحمراء

الأربعاء، 31 أكتوبر 2012 02:08 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أصحاب السيادة الجدد فى البلاد والذين معهم من المتنفذين فى أى مجال من المجالات وعلى رأسهم الأعضاء الغالبين فى اللجنة التأسيسية للدستور اصطنعوا عبارة جديدة تمنع الحوار ساعة ابتدائه، وتنهى المناقشة فى منتصف الطريق، وهى عبارة «خط أحمر» أى ممنوع الاقتراب من هذا الموضوع، وما عليك إلا أن تقف وتنصرف إلى حال سبيلك، وتترك الخلق للخالق وتبيت خالى البال.

فعند مناقشة المادة الثانية من دستور 1971 لتضمينها فى الدستور الجديد ثار الجدل حولها، وقال البعض بإلغاء الفقرة التى أضافها السادات فى تعديلات مايو 1980 والخاصة «بمبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسى للتشريع» والإبقاء على النصف الأول من المادة «الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية»، كما جاءت فى دستور 1923 من قبل، فما كان من المتشددين إلا أن طالبوا بالإبقاء عليها، بل تكون «أحكام الشريعة» وليس «المبادئ» هى المصدر، وهنا دخل شيخ الأزهر حلبة المناقشة وقال إن هذه المادة «خط أحمر» أى لا ينبغى مناقشتها، وعندما قيل من الذى سوف يفسر المبادئ، خصوصا أن باب الاجتهاد واسع والقياس الأرسطى هو المعمول به عند الاجتهاد، والذى لا يكلف صاحبه أى عناء سوى العثور على المقدمة الكبرى التى سيقيم على أساسها عملية القياس دون نظر إلى الظروف الموضوعية المصاحبة لتلك المقدمة، ولما قيل إن الأزهر يكون المرجعية فى التفسير، غضب السلفيون والإسلاميون خارج الأزهر فتراجع شيخ الأزهر، وأشار إلى أن هيئة كبار العلماء تتولى التفسير عند الاختلاف حول أى مبدأ يتم الاستناد إليه فى إصدار الحكم أو تكييف القانون.

ومثل هذا الأسلوب فى التفكير ورفع عبارة «خط أحمر» فى وجه من يريد مناقشة الأمور مناقشة عقلية للوصول إلى يقين، من شأنه أن يبقى الأمور على ما هى عليه، على حين أن الجماهير فى الشارع تقول إننا فى ثورة.. أى فى مرحلة تغيير أساسية، وما الفائدة إذا كان واضعو الدستور يضعون نصب أعينهم دستور 1971 مع إعادة صياغته لصالح الإسلاميين، وكان الأولى إعلان إلغائه مثلما فعل ثوار يوليو حين ألغوا العمل بدستور 1923 فى 10 ديسمبر 1952.

على أن عبارة «خط أحمر» لا تستخدم فقط فى قضايا وضع الدستور وعند مناطق الخلاف حول بعض المبادئ والقواعد، بل إنها تستخدم فى إدارة شؤون البلاد، فإبداء ملحوظات على أداء رئاسة الدولة خط أحمر وتعرض صاحبها للمساءلة القانونية، والحكومة تقول إن مرتبات العاملين فى الدولة «خط أحمر» فى الوقت الذى ينادى فيه العاملون برفع الحد الأدنى للأجور بما يراعى حاجات الإنسان الأساسية فى المسكن والمأكل والملبس حتى يشعر بالكرامة، وهى أحد مكونات شعار الثورة مع الخبز والحرية والعدالة.

ومن عجب أن الحكومة والحكام لا يستخدمون تلك العبارة فى مواجهة القوى الخارجية التى تريد النيل من استقلال البلاد وتقول إن استقلال البلاد خط أحمر، أو إن الاستثمارات المحلية والأجنبية «السداح مداح» دون ضوابط تخدم الإنتاج تعد «خطا أحمر»، أو تتصدى لحماية المصريين فى الخارج وتعلن أن كرامة المصريين فى الخارج خط أحمر.. إلخ.

إن كثرة الخطوط الحمراء دون معيار ينتهى بنا إلى جمود التفكير وتجميد الحركة، بحيث لم نعد نعرف ما الذى يمكن مناقشته وكيف، وما الذى لا نقترب منه، وما الذى نمتنع عنه أصلا، ويبدو واضحا أن الحكام يريدون أن نتركهم لحال سبيلهم يمضون بنا إلى حيث يريدون ونحن مغمضو العيون حتى نجد أنفسنا وسط محيط واسع نصارع فيه العواصف دون أمل فى النجاة.








مشاركة

التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

عبد الحق

نحن بسبيلنا الى دستور لإرضاء اصحاب العقيدة الهشة!

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة