حسنا فعلت تأسيسية الدستور حين نشرت على موقعها الإلكترونى مسودة الدستور للمناقشة العامة. وأول ما يلفت النظر فى مواد الدستور أن كل الحقوق التى أقرها للمواطنين «ينظمها القانون»، وهنا مكمن الخطر حيث إن القوانين لدينا دائما ما تتناقض مع مبادئ الدستور وتفرغ الحقوق من مضمونها، ويبدو هذا واضحا فى أن القضايا التى يرفعها المواطن على الدولة يكسبها حين يثبت المحامى أن القانون يتناقض مع المادة «كذا» من الدستور. ولهذا كان يتعين النص على الحقوق بشكل قاطع دون كلمتى «وينظمها القانون» التى تفتح الباب للشيطان.
والمادة «68» تنص على «التزام الدولة باتخاذ كافة التدابير التى ترسخ مساواة المرأة مع الرجل فى مجالات الحياة... دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية»، على حين أن المادة الثانية التى هى موضع خلاف كبير بين التيارات الفكرية تتحدث عن «مبادئ» الشريعة وليس الأحكام. ومن ناحية أخرى فإن تخصيص مادة لمساواة المرأة مع الرجل لا تتلاءم مع المادة «30» التى تقول «المواطنون لدى القانون سواء وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة ولا تمييز بينهم فى ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة أو الرأى أو الوضع الاجتماعى أو الإعاقة».
وعدم التمييز بين المواطنين على أساس الدين أو العقيدة طبقا للمادة «30» هذه لا يتلاءم مع المادة الثالثة التى تنص على أن «مبادئ شرائع المصريين المسيحيين واليهود المصدر الرئيسى للتشريعات المختصة بأحوالهم الشخصية وشؤونهم الدينية»، إذ إننا بهذا نفتح باب «طوأفة» المصريين بحيث يصبحون جزرا منعزلة، ومن ثم تنتعش الاحتقانات الطائفية، فضلا عن أنها تتعارض مع القول بالمساواة بين المواطنين، بل إن موافقة الكنيسة المصرية على إبقاء المادة الثانية على حالها يفسر أن المادة الثالثة هذه تعطى خصوصية ذاتية لمجتمع طوائف وليس لمجتمع مواطنة.
والمادة «137» تشترط لقبول الترشح لرئاسة الجمهورية «أن يحصل المرشح على تأييد عشرين عضوا على الأقل من أعضاء البرلمان المنتخبين أو ما لا يقل عن عشرين ألف مواطن ممن لهم حق الانتخاب فى عشر محافظات على الأقل»، وهى ذات المادة رقم 76 من دستور 1971 بعد تعديلى 25 مايو 2005 و26 مارس 2007، وكل ما أبدعته تقليل عدد المؤيدين. وكان يتعين ونحن نضع دستور ثورة أن يترك باب الترشيح مفتوحا لمن يريد دون أن يجبر المترشح على استجداء التأييد، ويكون الاحتكام فى النهاية لصندوق الانتخابات.
والمادتان 145-146 تجعلان لرئيس الدولة سلطات تنفيذية تفتح الأبواب ليكون حاكما مستبدا إذا كان تكوينه يؤهله لممارسة الاستبداد، وكأن الثورة لم تقم ضد استبداد الحاكم. ولهذا ينبغى أن يكون الرئيس حكما بين السلطات الثلاث وليس حاكما.
وبينما اشترطت المادة «163» فيمن يترشح لرئاسة الدولة ألا يحمل جنسية دولة أخرى لم تشترط نفس الشرط لمن يعين رئيسا للوزراء أو عضوا بالحكومة «المادة 161». وهنا يبدو تفصيل القماش على مقاس بعض الأشخاص الظاهرين على مسرح الأحداث الذين يتطلعون للفوز بأحد هذه المناصب أو المبشرين بها ويحملون جنسيات دول أخرى كانوا يقيمون فيها فترة طويلة من الزمن.
وأخيرا تأتى المادة «209» الخاصة بتكوين المجلس الاقتصادى والاجتماعى من 150 عضوا تختارهم النقابات العمالية والمهنية واتحادات الفلاحين وغيرها من التنظيمات المنتخبة. وفى هذا تجاهل تام للجامعات ولمراكز البحوث خاصة أن من مهام هذا المجلس صنع السياسات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.. فهل يعقل أن يتم تشكيل مجلس نوعى تلك مهمته بالمزايدة فى الاختيار..؟
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
يحيي رسلان
لا نامن مكر الليبراليين مرة اخري