محمد عبدالعال، بائع متجول عمره 32 سنة، متزوج ولديه 5 أبناء، لا يقرأ ولا يكتب، يعيش مثل كثير من المصريين المجاورين لخط الفقر، يوما بيوم، من خلال بيع البضائع المستوردة من الصين فى فاترينة بميدان رمسيس، ساعات وأقلام وأجهزة كهربائية رديئة الصنع إلخ، ولأنه معاق تقدم على مدى الخمسة عشر عاما الأخيرة بطلبات متلاحقة للحصول على ترخيص بكشك، إلا أن أحدا لم يسأل فيه، ولأنه معاق، ظن أن المسؤولين الرافضين منحه تصريحا بكشك، سيتسامحون مع إقدامه على بيع بضاعته فى فاترينة بالميدان.
لم يكن محمد يتصور أنه يخالف القانون بوقوفه فى ميدان رمسيس باحثا عن قوت أبنائه الخمسة، على العكس، كانت نظرته عن نفسه أنه رجل شريف يكسب رزقه بعرق جبينه، ويشقى فى سبيل اللقمة التى يوفرها لعائلته الكبيرة، فالشرف فى نظر محمد أن يشقى، أن يكسب بالحلال والجهد، ألا يتجه إلى السرقة أو بيع البانجو والترامادول، أو تثبيت المواطنين فى التقاطعات المظلمة وتحت الكبارى، هو يعرف كثيرين من الشباب والرجال فى منطقته يكسبون كثيرا من السرقة والبلطجة، أو حتى بيع الأطفال، لكنه وزوجته اتفقا على أن يربيا أبنائهما بالقليل الحلال، رغم ما فى ذلك من مشقة.
كان محمد يسأل نفسه كل يوم: ماذا فعلت لى أول حكومة بعد الثورة؟ ماذا فعل لى أول رئيس منتخب؟ ما الذى تغير فى حياتى وحياة أبنائى الخمسة بعد الثورة؟. وأيقن أن الفقراء قبل الثورة سيظلون الفقراء بعدها، والمجاورين لخط الفقر وخط المرض وخط الجهل سيظلون فى أماكنهم كما هم، لكنه كان يتمنى أن تتركه الحكومة فى حاله، يعنى يا نحلة لا تقرصينى ولا أنا عاوز منك عسل.
نحلة الحكومة قرصت محمد عبدالعال وسحبت منه الفاترينة، وسجنته أسبوعين، حتى جاع أبناؤه وزوجته، وعندما خرج لم يجد أى مصدر للرزق يسعى من خلاله لإطعام عائلته، أو يدفع منه إيجار المكان الذى يعيشون فيه، فقرر أن يذهب إلى قصر الرئيس ليقدم شكواه، لكنه لم يجد من يسمع أو من يستجيب، فما كان منه إلا أن أشعل النار فى جسده بعد أن ضاقت الدنيا فى عينه، ووجد فى الموت راحة من عذابه.
كل ما فعله الحرس والأمن الخاص بالاتحادية أن قاموا بواجبهم الإنسانى وأطفأوا النار المشتعلة فى جسد محمد، لكن من يطفئ نيران الحاجة التى ستظل مشتعلة فى قلبه وعقله هو والملايين من أمثاله؟.. الإجابة يجب أن تكون بين يديك يا رئيس الحكومة.