ما بين السخرية من شعارات الجهاد الإخوانية «ع القدس رايحين شهداء بالملايين» التى يعاير بها شباب الـ«فيس بوك» جماعة الإخوان، والمبالغة فى الاحتفاء بقرار الرئيس محمد مرسى بسحب السفير المصرى من تل أبيب التى ظهرت فى تصريح القيادى الإخوانى البارز عصام العريان، «إرادة مصر الحرة ظهرت فى قرار مرسى» تقف جموع الشعب المصرى، وبينما هذا يسخر، وهذا يفتخر، يظل الدم الفلسطينى ساخنا، كل قطرة طاهرة تعلن تمسكها بالأرض، لا تفرق الصواريخ الإسرائيلية الوقحة بين دمعة طفل، أو صدر أم، أو ذراع جندى، لا يختار الصاروخ الجبان.. فتحاويا، أو حمساويا، لأن الكل أمام الرصاص واحد، وكلنا فى مجامر النار «فلسطينيون».
قرار الرئيس محمد مرسى بسحب السفير المصرى من إسرائيل أربك حسابات الكثيرين، لم يعرف معارضوه هل يشيدون بقراره أم يلومونه، بينما لم يملك مناصروه إلا التهليل له «كالعادة»، كخيار وحيد يمليه عليهم مرشدهم، وانصياعهم الأعمى له، لكنى برغم اختلافى الكبير مع مرسى وجماعته وتياره، رحبت بقرار مرسى وثمنته وباركته، لأنى أعتبر هذا القرار تنفيذا لأمر الشعب.. لا تفضلا منه علينا، ولا منة، فالمعركة الأولى مع أى حاكم يملك زمام مصر، سواء كان إخوانيا أو ثوريا أو حتى «فلوليا»، هى معركة استقلال وطنى فى المقام الأول، ولن تنعم مصر بخيراتها، ولن تعود إلى دورها إلا إذا تحررت إرادتها، وتبنت إدارتها السياسية إرادة شعبها راعية لأحلامه، ومحققة لطموحاته، فشكرا للرئيس محمد مرسى الذى استجاب لوخز الضمير الشعبى، مجسدا ذلك فى خطوة سحب السفير التى جرح بها صفاء المودة القطيفية التى ضخها فى شريان رسالته الشهيرة إلى بيريز.
الخطيئة التى وقع فيها بعض شباب الفيس بوك، هى السخرية من شعارات الجهاد الإخوانية، غير مدركين بذلك أنهم دون أن يدروا، منحوا الإخوان شرفا لا يستحقونه وجعلوهم كما لو أنهم هم الوحيدون الذين ناضلوا من أجل تحرير فلسطين، مضحين بتاريخ اليسار المصرى الكبير فى النضال من أجل قبلة النضال العربى، والذى يشهد عليه اندفاع رموزه أكثر من مرة إلى المخاطرة بحياتهم من أجل كسر الحصار عن غزة، ومساعدتهم اللوجستية الكبيرة للمقاومة فى كل حين، وخير مثال على ذلك ما كان يفعله المناضل حمدين صباحى فى ظل حكم مبارك، والذى لا يقارن طبعا بما كان يبذله الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ورموز الحركة الشيوعية منذ الخمسينيات من دم ومال وعرق من أجل نصرة القضية الأم.
ما لا يجب أن ننساه فى هذه المعركة، هو أن فكرة إثبات «الاستقلال الوطنى» التى خطا مرسى نحوها، تتطلب خطوات أخرى حتى تصبح واقعا متحققا، لا «حركة» استعراضية، فمبارك مثلا سحب سفيرنا من تل أبيب ثلاث مرات، كان أولها بعد ثمانية أشهر من حكمه، وظلت مصر بلا سفير فى إسرائيل حوالى أربع سنوات، بينما سحب مرسى السفير بعد أربعة أشهر فقط من توليه الرئاسة، ولأنى لا أريد أن أسىء الظن أطالب الرئيس مرسى بأن يكلل هذه الخطوة بخطوات أخرى، تؤكد أن مصر ساعية «فعلا» إلى استقلالها الوطنى، عن طريق الدعوة العاجلة لقيادة موقف عربى موحد لوقف جميع أشكال التعاون السياسى والاقتصادى مع إسرائيل، وذلك لكى لا تصبح خطوة سحب السفير أرخص من ثمن تذكرة الطائرة.