د. مصطفى النجار

من كفر بالثورة؟

الجمعة، 16 نوفمبر 2012 12:24 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بعد ما يقرب من عامين على اندلاع ثورة 25 يناير وما أعقبها من أحداث متتالية أفرزت هذا المشهد الحالى، لم يعد غريبا أن تقابل مصريين ساخطين على ما حدث ويقولون لك مباشرة لقد كانت أيام مبارك مع قسوتها أفضل مما نحن فيه الآن.

تدمى هذه العبارة قلبك ولكنها صارت تتردد على نطاق واسع ليزداد عدد الناقمين على الثورة والذين يرون أنها أخرجت كل ما هو سيئ ومؤلم، وما لم يكن متوقعا على الإطلاق، فى البداية كنا نتهم من يقولون ذلك بأنهم فلول ويريدون عودة النظام القديم، ولكن لا يمكننا الأن أن نعمم هذا الوصف، لأن من صاروا يشعرون بهذا الانطباع شرائح متزايدة كفرت بكل شىء لما تراه من مهازل فى ساحة العمل العام.

من اليوم الأول عقب التنحى وموجات الاستقطاب الدينى والسياسى قد انطلقت بقوة لتحصر المجتمع بين معسكرى الإيمان والضلال ولم يعد التنافس السياسى على البرامج والخطط واختلاف السياسات، وإنما أصبح التنافس على من يثبت أنه أكثر دينا من الآخر.
حالة من السيولة أصابت الخطاب الدينى والسياسى، وجوه غريبة لم نألفها قبل ذلك تخرج علينا كل يوم بخطاب صادم وكأنها تتحدث إلى مجتمع جاهلى تدعوه للإسلام، ألسنة صمتت عن قول الحق وجبنت عن مواجهة الظلم المستبد، وبعضها انطلقت تسبح بحمده خوفا ومداهنة، وها هى اليوم ترتدى ثوب الثورية المغلف بخطاب دينى رجعى وتتصدر المشهد لتزايد على دين المصريين وعقيدتهم.

وجوه لم نعرفها إلا بأنها قد تلطخت أيديها بدماء المصريين، صارت اليوم نجوما فى الاحتفالات الرسمية، وعلى شاشات الفضائيات وكأننا نكافئهم على ما اقترفته أيديهم، شعور بالغربة يسيطر على من ثاروا بحق وبدأوا شرارة الثورة فى وقت تخاذل فيه هؤلاء، يشعرون أنهم تائهون وسط هذا البحر المتلاطم الأمواج، لا يرون أن الثورة قد قامت لتصنع هذا المشهد البائس.

براءة الأحلام الثورية ورومانسيتها تذبل كل يوم، وكأن الثورة قد فتحت بابا كان مغلقا تقبع خلفه كل هذه التشوهات التى انطلقت لتشوه حياتنا لتصيبنا بخيبة الأمل، نحارب كل يوم يأسنا ليس بحثا عن الأمل ولكن لنستطيع البقاء على قيد الحياة، نتمسك بالحلم رغم الضباب الذى نشر غيومه على الطريق.

يقولون إن كل الثورات تتبعها مثل هذه الحالات ولكن، الوطن لا يحتمل كل هذا العبث، قلب الوطن مرهق ويحتاج إلى إفاقة عاجلة قبل أن يتوقف عن النبض ويفارق الحياة، أنات الجوعى والمحرومين ما زالت تشق طريقها إلى مسامعنا وتسألنا ماذا فعلتم لنا؟ لقد ازداد فقرنا وفاضت آلامنا ولا أحد يشعر بنا، لقد كفرنا بكم وبثورتكم لم تجلبوا لنا إلا هذه الوجوه العفنة التى سممت حياتنا، وما زلنا نسحق تحت الأقدام ولا حول لنا ولا قوة.

لا يجد المرء إجابة مقنعة ولا تبريرا موضوعيا يقدمه لهؤلاء فيصمت ويعود بذهنه لتلك اللحظات التى توهجت فيها المشاعر الوطنية للمصريين بشكل جمعى حتى ظننا أن قطار التغيير والتقدم قد انطلق بلا رجعة ولا توقف ولا تعثر، ولكن يبدو أننا قد أفرطنا فى الحلم وفى الأمل. هذه الزفرات ليست دعوة لليأس والإحباط ولكنها توصيف لواقع يجب أن ندركه ونقرأه قراءة صحيحة لنعرف ما هو الدور الذى علينا أداؤه الفترة القادمة، لقد كانت الثورة على رأس النظام ولكنها لم تبدأ من أسفل ولم تصل إلى عموم المجتمع الذى يفرز هذه الظواهر المؤسفة، نحتاج للبدء من جديد ليس على مستوى النخبة الحالية -فهذه لا أمل فيها إلا استبدالها- ولكن من أعمق أعماق مصر، معركة بناء الإنسان يجب أن تكون هى الأولوية، إصلاح التشوه الإنسانى المتراكم نتيجة الاستبداد والفقر والتهميش هو البداية، التركيز على الأجيال التى لم تتشوه بعد هو الأمل، قد يكون الطريق بعيدا وطويلا، ولكن لا بديل عن ذلك، إن كنا نبحث عن نهضة وطن فليكن حلمنا واقعيا، ولنخض المعركة الأصعب ولنبتعد عن شاشات التلفاز وجلسات النخب ولنبحث عن المصريين، ففى هؤلاء البشر الحقيقيين ثمة أمل.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة