فى إحدى الأسواق التراثية بالعاصمة القطرية الدوحة، اسمها «سوق واقف» جلست على مقهى بعدما أنهيت جولة بحثا عن مزيد من دعم مباراة قطر ومصر يوم 28 ديسمبر المقبل التى ستخصص إيراداتها لصلاح ضحايا كارثة بورسيعد، والتى تم الإعداد لها بصورة دفعتنى لآمال جديدة نحو عروبة مختلفة، خاصة بعد أن أكد مسؤولو الإعلام الرياضى ومقرر اللجنة القطرية الأخ والصديق والزميل محمد المالكى، الكاتب الخفيف الظل، أن كبار مسؤولى الدولة يفتحون ذراعهم بكل الحب للتعاون، وهذا ما أكده أيضا الشيخ حمد بن خليفة بن أحمد آل ثان، رئيس اتحاد الكرة، الذى توقع إيرادا غير مسبوق.. كل هذا الأحلام والطموحات الجميلة لا يمكن أن أقول إنها تلاشت فى لحظة، لكن هاجمتها أصوات مصرية من تلك التى تدمن حب هذه البلد، وتنتهز فرصة لقاء صحفى أو إعلامى لتدفع له بما لديها من أسئلة عجزت عن إيجاد إجابات لها، كما فاجأنى «أبومازن» المصرى ابن أسيوط عندما قال لى «يعنى يا أستاذ سبنالكم البلد وقلنا يمكن نخف الزحمة شوية ونعمل حاجة فى الغربة وانتم تعملوا حاجة فى البلد بس يظهر مافيش فايدة.. نسيبها.. نرجع لها كله محصل بعضه.. كل ما بسمع حاجة فى التليفزيون إما عن إخوان أو سلفيين أو ليبراليين أو تيار شعبى.. كله تناحر وآراء غريبة عنا.. ناس تقول على ناس كفار، وناس تقول على ناس بيعبدوا الأهرام وأبوالهول.. يا بيه حرام عليكم بقى عايزين نعيش.. أجولك، ردت عليه قول: طيب ما نقطع الآثار ونبيعها.. ده هايريح.. أو اطرودا الكفار.. أو يحكمنا الناس الليبراليون.. وبس والنبى أى حاجة»، والله يا حضرات لم أجد إجابة ما أرد بها، خاصة أننى أتنقل وأرى الدوحة.. الكل عايش حياته وبطريقته وطبقا للقانون!
يا ناس حرام ردوا على البشر المتغرر بيه ده وحاسين إنهم بدون حقوق مواطنة فى مصر!
الأكثر غرابة عندما تدخل مجدى «المتر» بالكافيه فى الحديث مستغربا من أنه يعيش فى الدوحة ويعمل ويحاول معاونة بلاده على الأقل بما يمكنه عمله من تحويلات، لكنه مجبر أن يعود للسكن ليحاصره أصدقاؤه من جنسيات مختلفة، وهو يعرف أنهم يحبون مصر، لكن سؤالهم الموحد: هى بلدكم جرالها إيه.. فيه إيه فى مصر يا مجدى ما تحاول تعرف؟!
أبومازن قال: والله يا أستاذ- موجها كلامه للعبد لله: «نفسى حتى أنا ومجدى نفرح ونزعل بأى أنشطة.. يا أستاذ إنتم هنا لإقامة مباراة فى بلد مفتوحة تتقدم بخطا سريعة، وبعدين يسمعوا إن فيه حد فى مصر بيقول: الكورة حرام آى والله»!
فتخيل يا أستاذ نبقى قد إيه فى نظرهم!
الحقيقة لم أجد ردا، وظللت أحاول إيهام إخوانّا المصريين أننى أشرب القهوة وأستعد للعشاء بحثا عن إجابة، لأن الحقيقة إن ما فيش إجابة.. أنا اللى عمالين يقوللى يا أستاذ مش عارف فيه إيه طب أقول لهم هما إيه.. وقطع جدار الصمت بسؤال استثنائى جدا: هو حضرتك ساكت ليه عاوز تقول البلد خلصت؟!
يبدو أن المعنى اللى صدروه لى أيقظ أملا جديدا فقلت لهما: لا اوعوا تقولوا البلد دى خلصت هى البلد دى بتخلص يا رجالة.. إنتوا وغيركم عشتوا جواها وبراها واللى كانوا جواها واللى اتحداها هكسوس وتتار وغيره وغيرهم دابوا فيها.. يا شباب ده مش كلام إنشا البلد دى غريبة قوى وما حدش بيكسرها.
قالولى والنبى يا أستاذ إحنا بنحبك عشان بتتكلم شبهنا.. ما تقلناش الكلام الكبير بتاع بقالها 7 سنين والكلام الكبير ده.. إحنا حاسين بقى وإحنا دلوقتى هنشوف حاجة حلوة فى البلد دى يا فعلا شكلنا كده هنعيش مع من يستطيع أن يقدم لنا خدمات مواطنة ويعطينا أجرا على اجتهادنا، وليبقى الوطن بالنسة لنا يومين إجازة.. وبنفكر نقضيهم بره كمان!
أمام إصرارهم لم أجد إلا محاولة بث الأمل من جديد، ولقيت فكراية أداعب بها مشاعرهم: طب ما إنتوا ناجحين هنا ورافعين راسنا ومحسسين الناس إن البلد لو احتاجتكم هترجعوا بكل نجاح، فردوا سريعا: هو أنت فاكر مصر عمرها هاتقولنا تعالوا؟!
كل الأفكار الجميلة لم ترض طموحهم لأنهم الحقيقة يشعرون، وقد لمست أنهم يريدون كل حقوقهم.. وإذا لم تكن دعوة مصر لهم كما أكدوا لى عندما سألهم الدكتور مجدى يعقوب الذى يزور الدوحة ومر بنفس المقهى: مصر محتاجة لكم، رد عليه الشاب أحمد ويعمل مدرسا: يعنى يا دكتور لو رجعت مصر هاشتغل مدرس بتلاتين ألف جنيه، وأعرف أربى أولادى؟!
الحقيقة كلامه خلانى أسأله: الدكتور مجدى يعقوب رد عليك وقالك إيه؟ اكتشفت شيئا كبيرا بأن الدكتور مجدى نفسه ما عندوش أى رد، وكان رده كما قال لى المدرس أحمد ابن أسيوط: سكت وطبط على كتفى، فاعتبرت أن كلمات الجراح المصرى العالمى الذى لم يقدره وطنه بل قدره خروجه من تحت كنف حاكم ظالم إلى عالم طموح كان هو سر النجاح.
مهما قلت لكم.. حكايات المصريين فى الدوحة جميلة وعظيمة وما يقدمونه لا ينتهى، يكفى أنهم أعادوا روح الحب المفقودة بين أرجاء الوطن الواحد.. وإلى حكاية أخرى.
عصام شلتوت
ومجدى يرد: هانفضل كده؟!..
أبومازن مصرى فى الدوحة يسأل: وبعدين يعنى
الجمعة، 23 نوفمبر 2012 01:28 م